شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ) متفق عليه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملؤها ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاراه بطرا ) متفق عليه . عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهذا عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ) رواه مسلم . حفظ
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب: تحريم الكبر والإعجاب : "
عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتل جوَّاظ مستكبر ) متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( احتجت الجنة والنار، فقالت النار: فيَّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيَ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها ) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جَر إزاراه بطرًا ) متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهذا عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر ) رواه مسلم "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه أحاديث ساقها المؤلف النّووي رحمه الله في *رياض الصالحين في باب: " تحريم الكبر والعجب " : وقد سبق لنا الكلام عن الآيات الواردة في هذا، وكذلك الكلام على بعض الأحاديث، بل على الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب.
ثمّ ذكر المؤلف رحمه الله أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بأهل النار ) : وهذا من الأسلوب الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعمله ، أن يورد الكلام على صيغة الإستفهام مِن أجل أن ينتبه المخاطَب ويعي ما يقول، فهو يقول ألا أخبركم؟ كلّ سيقول: نعم أخبرنا يا رسول الله قال: ( كلّ عتلّ جواظ مستكبر ) :
( كلّ عتلّ ) : العُتل معناه الشّديد الغليظ، ومنه العِتلة التي تحفر بها الأرض فإنها شديدة غليظة، فالعتلّ: هو الشّديد الغليظ والعياذ بالله، ( جوّاظ ) : يعني أنه فيه زيادة من سوء الأخلاق، ( مُستكبر ) : وهذا هو الشّاهد أي عنده كبر والعياذ بالله وغطرسة، كبر على الحقّ وكبر على الخلق، فهو لا يلين إلى الحقّ أبداَ ولا يرحم الخلق والعياذ بالله، هؤلاء هم أهل النار، أما أهل الجنّة فهم الضّعفاء، الضّعفاء المساكين الذين ليس عندهم ما يستكبرون به، بل هم دائماً متواضعون، ليس عندهم كبرياء ولا غلظة، لأنّ المال أحياناً يفسد صاحبه، يحمله على أن يستكبر على الخلق، ويردّ الحقّ كما قال تعالى: (( كلاّ إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )).
وكذلك أيضاً ذكر حديث احتجاج النار والجنّة، ( احتجّت النار والجنّة فقالت النار: إنّ أهلها هم الجبّارون المتكبرّون، وقالت الجنة: إن أهلها هم الضّعفاء والمساكين فاحتجّت كلّ واحدة منهما على الأخرى فحكم الله بينهما عزّ وجلّ، وقال في الجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: أنت عذابي أعذّب بك من أشاء ) : فصارت النار دار العذاب والعياذ بالله، والجنّة دار الرحمة، فهي رحمة الله ويسكنها الرّحماء من عباد الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء ) قال: ( ولكلّ منكما عليّ ملؤها ) : فوعد الله عزّ وجلّ النارَ ملئها ووعد الجنّة ملئها وهو لا يخلف الميعاد عزّ وجلّ .
ولكن أتدرون ماذا تكون العاقبة؟ تكون العاقبة كما ثبتت به الأحاديث الصّحيحة أن النار لا يزال يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ كما قال تعالى: (( يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد )) يعني تطلب الزّيادة، لأنها لم تمتلأ، فيضع الرب عزّ وجلّ عليها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض : ينضمّ بعضها إلى بعض وتقول: قطٍ قطٍ أي: حسبي حسبي، لا أريد زيادة فصارت النار تملأ بهذه الطريقة.
أما الجنّة فإن الجنّة عرضها السّماوات والأرض ويسكنها أولياء الله جعلني الله وإيّاكم منهم، ويسكنها أهلها، ويبقى فيها فضل يعني مكان ليس فيه أحد، فيُنشأ الله لها أقواما فيدخلهم الجنّة برحمته فهذه النّتيجة، فامتلأت النار بعدل الله عزّ وجلّ، وامتلأت الجنّة بفضل الله تعالى ورحمته.
ثمّ ذكر المؤلف رحمه الله حديث الإنسان المسبل فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء ) : وهذه مسألة خطيرة، وذلك أنّ الرجل منهيّ أن ينزل ثوبُه أو سرواله أو مشلحه أو إزاره عن الكعب، لابدّ أن يكون من الكعب فما فوق، فمن نزل عن الكعب فإنّ فعله هذا من الكبائر والعياذ بالله، لأنه إن نزل كبرا وخيلاء فإنه لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يكلّمه ولا يزكّيه وله عذاب أليم ، وإن كان نزل لغير ذلك، نزل لأنه مثلا كان طويلا ولم يلاحظه فإنه ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ) : فكانت العقوبة حاصلة على كلّ حال فيما نزل عن الكعبين، لكن إن كان بطرًا وخيلاء فالعقوبة أعظم ، لا يكلّم الله صاحبه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم .
وإن كان غير خيلاء فإنه يعذّب بالنار والعياذ بالله ، فإذا قال قائل : ما هي السّنّة؟ قلنا: السّنّة من الكعب إلى نصف الساق، هذه السّنّة نصف الساق سنة وما دونه سنّة، وما كان إلى الكعبين فهو سنة، لأن هذا هو لبس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنهم كانوا لا يتجاوز لباسهم الكعبين ولكن يكون إلى نصف السّاق أو يرتفع قليلا وبين ذلك كلّه من السّنّة، والله الموفّق.