باب الموعظة عند القبر. عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ( ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ). فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا ؟ فقال: ( اعملوا، فكل ميسر لما خلق له ) وذكر تمام الحديث. متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " باب الموعظة عند القبر، عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ( ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ) فقالوا يا رسول الله: أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) وذكر تمام الحديث، متفق عليه ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب رياض الصالحين: " باب الموعظة عند القبر " الموعظة هي تذكير الناس بما يلين قلوبهم إما بترغيب في خير وإما بترهيب من شر هذه هي الموعظة، وأعظم واعظ وأفضله وأصلحه للقلب هو القرآن الكريم، كما قال الله تعالى: (( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )) فالقرآن لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد هو أعظم واعظ، لكن قلوب كثير من الناس أو أكثر الناس لا تتعظ بالقرآن لأنها فيها قسوة، وقد قال الله تعالى فيمن إذا تتلى عليه الآيات قال أساطير الأولين والعياذ بالله يعني أنها مثل السواليف، قال الله تعالى كلا ليست أساطير الأولين (( بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) يعني: ختم عليها ما كانوا يكسبون من الأعمال السيئة حتى لا يشعرون بالقرآن، كما يشعر به المتقون الذين منّ الله عليهم نسأل الله أن يمن علينا وعليكم، ولكن مع ذلك قد يأتي إنسان أعطاه الله تعالى بيانًا وفصاحة وعلمًا فيعظ الناس ويذكرهم ويليّن من قلوبهم ما لا يلين بما لو تلي عليه القرآن وهذا شيء مشاهد مجرب الموعظة عند القبر، ذكر المؤلف رحمه الله حديث علي بن أبي طالب قال: " كنا في جنازة في بقيع الغرقد " بقيع الغرقد هو البقيع المعروف الآن في المدينة، والغرقد نوع من الشجر معروف وسمي بقيع الغرقد لكثرة هذا النوع من الشجر في هذا البقيع، وكان مدفن أهل المدينة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) فكانوا في جنازة فجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقعد وقعد الناس حوله، لأن كل الناس يحبون أن يكونوا جلساء لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، جلسوا حوله وفي يده مخصرة يعني عود مخصرة فنكس يعني نكس رأسه هكذا، وجعل ينكت بالعود كالمهموم عليه الصلاة والسلام ثم قال: ( ما من منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ) كل إنسان من بني آدم مكتوب مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، كل إنسان مكتوب قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة نسأل الله أن يجعلني وإياكم من السعداء، لما قال هذا الكلام قالوا: " يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ " يعني ما دمنا مكتوبين إن كنا من أهل النار فمن أهل النار من أهل الجنة فمن أهل الجنة ما حاجة للعمل، فقال: لا، لا تدعوا العمل، الجنة لا تأتي إلا بعمل، والنار لا تأتي إلا بعمل، لا يدخل النار إلا من عمل بعمل أهل النار، ولا يدخل الجننة إلا من عمل بعمل أهل الجنة، قال: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ،وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله تعالى: (( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى )) قال اعملوا لا تتكلون على الكتاب، الكتاب أمره مجهول ما ندري، كل واحد منا لا يدري ماذا كتب له، لكن من عمل خيرا فهذه بشرى أنه من أهل الخير ومن عمل سوى ذلك فهذه إنذار، قال: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق ) فأنت يا أخي إذا رأيت الله قد يسر لك عمل أهل السعادة فأبشر أنك من أهل السعادة، إذا رأيت من نفسك أنك تنقاد للصلاة تنقاد للزكاة تنقاد لفعل الخير عندك تقوى من الله عز وجل، فاعلم أو فاستبشر بأنك من أهل السعادة، لأن الله قال: (( فأما من أعطى واتقى ... فسنيسره لليسرى )) وإن رأيت العكس رأيت نفسك تنشرح لفعل السيئات والعياذ بالله وتضيق ذرعًا بفعل الطاعات فاحذر أنقذ نفسك تب إلى الله عز وجل حتى ييسر الله لك، واعلم أنك متى أقبلت على الله أقبل الله عليك، حتى لو أذنبت مهما أذنبت إذا أقبلت على الله أقبل الله عليك، قال الله تعالى: (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا )) وعلى هذا فإذا جاء الإنسان إلى المقبرة وجلس وجلس الناس حوله فهنا يحسن أن يعظهم بما يناسب بمثل هذا الحديث، أو بمثل حديث عبد الرحمن بن سمرة حين جاء الرسول عليه الصلاة والسلام انتهى إلى جنازة رجل من الأنصار ووجدهم يحفرون القبر ولم يتم حفره، فجلس وجلسوا حوله كأن على رؤوسهم الطير اللي على رأسه الطير ما يتحرك يخشى أن يطير، لكن كأن على رؤوسهم الطير احترامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلالًا لهذا المجلس وهيبة، فجعل يحدثهم أن الإنسان إذا جاءه الموت نزلت إليه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، وجعل يحدثهم بحديث طويل يعظهم بذلك عليه الصلاة والسلام، هذه هي الموعظة عند القبر أن الإنسان إذا جلس وجلس الناس حوله استغل الفرصة بالتذكير، أما أن يقوم القائم عند القبر يتكلم كأنما يخطب فهذا لم يكن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن الإنسان يقف بين الناس بين الجماهير ويتكلم بكلام رفيع كأنما يخطب هذا ليس بسنة، السنة أن تفعل كما فعل الرسول فقط إذا كان الناس جلوس لم يدفن الميت فاجلس في انتظار دفنه وتحدث حديث المجالس بمعنى حديث عادي ما هو خطبة تخطب الناس، بعض الناس أخذ من هذه الترجمة ترجمة النووي رحمه الله وقد ترجم بمثلها قبله البخاري في صحيحه باب الموعظة عند القبر أخذ من هذا إنه يقوم خطيب في الناس يخطب الناس برفع صوت ويا عباد الله وما أشبه ذلك من الكلمات التي تقال في الخطب، وهذا فهم خاطئ غير صحيح، الموعظة عند القبر تقيد بما جاءت به السنة فقط، لئلا تتخذ المقابر منابر، المقابر ما هي بمنابر يخطب بها خطبة الجمعة، مواعظ هادئة يكون فيها الإنسان جالسًا ويبدو عليه أثر الحزن أثر التفكر وما أشبه ذلك، لا أثر للشجاعة وكأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، لكن فضل الله يؤتيه من يشاء، بعض الناس يفهم شيئًا من النصوص غير مراد بها والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
السائل : ...