تتمة شرح حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر؛ كبر ثلاثا، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد, وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. رواه مسلم. حفظ
الشيخ : والطائرات والإبل الذلول وما أشبه ذلك .
(( ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه )) : بعد الاستواء تذكرون نعمة الله بما يسر لكم مما خلق من الأنعام ، ومما علمكم من الفلك ، وتقولوا : (( سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مُقرِنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) تقولوا : (( سبحان الذي سخر لنا )) : كان الذي يتبادر أن يقول الإنسان : الحمد لله الذي سخر لنا هذا ، ولكنه أُمر أن يقول : (( سبحان الذي سخر لنا هذا )) لماذا ؟ لأن (( سبحان )) تدل على التنزيه ، يعني تنزيه الله عز وجل عن الحاجة وعن النقص ، فكأن الإنسان يشعر إذا ركب على هذا الفلك والأنعام أنه محتاج إليه ، يستعين به على حاجاته ، فيسبح الله عز وجل الذي هو مستغن عن كل خلقه جل وعلا ، فكان التسبيح في هذا المقام أنسب ، مع أنه جاءت السنة بأنه يحمد الله ، لكننا نتكلم عن هذه الآية : (( سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مُقرنين )) يعني : ما كنا مطيقين له لولا أن الله سخره : أي ذلله كما قال الله تعالى في آية أخرى : (( وذللناها لهم فمنها رَكوبهم ومنها يأكلون )) .
أرأيتم لو كانت هذه البعير الكبيرة الجسم القوية النشيطة لو لم تسخر هل نقدرها ؟ هل نقدر عليها ؟ الجواب : لا ، لأن هناك من السباع ما هو دونها بكثير ولا نقدر عليه ، لكن الله سخر لنا هذا الذي نركبه حتى إن الصبي الصغير يأخذ بزمام الناقة ويقودها حيث شاء هذا ، من تسخير الله عز وجل وتذليله (( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين )) أي : مطيقين ، (( وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) : الجملة هذه جملة عظيمة ، كأن الإنسان لما ركب مسافرًا على هذه الذَّلول أو الفلك كأنه يتذكر السفر الأخير من هذه الدنيا ، وهو سفر الإنسان إلى الله عز وجل ، إذا مات وحملته الناس على أعناقهم فيتذكر يقول : (( وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) جل وعلا ، فالمنقلب إلى الله ، والله تعالى يقول في كتابه العزيز : (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا )) كادح إلى ربك : ما قال لربك كادح إليه يعني : سيكون مآلك ومآل كدحك وكدك وعملك إلى الله عز وجل : (( كادح إلى ربك )) أي : عامل وراجع إلى ربك ، (( فملاقيه )) : كلنا سوف يلاقي الله ، ولكن على أي شيء نلاقي الله عز وجل ؟ هذا هو الشأن ، الشأن بأي شيء تنقلب إلى الله ؟ وعلى أي شيء تنقلب إلى الله ؟
يعني الإنسان لا يهمه أين يموت ولا يهمه متى يموت ، ربما إنه يحب أن يطيل الله عمره ، وأن يموت في بلد مقدس كما اختار ذلك موسى عليه الصلاة والسلام ، لكن الشأن كل الشأن على أي شيء يموت ، نسأل الله أن يتوفانا وإياكم على الإيمان والتوحيد .
هذا هو المهم ، المهم على أي شيء تموت أيها الإنسان ، فإن مت على خير فإنه لا فرق بين أن تموت في بلدك أو في بلد أخرى أو في بلد مقدس أو في بلد غير مقدس ، ولا في الشهر الفلاني ولا في اليوم الفلاني ولا في الوقت الفلاني ليل أو نهار ، المهم أن تموت على خير ، (( وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) ، فينبغي للإنسان إذا ركب سيارته أو الطيارة أن يقول هذا الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث ابن عمر : ( يكبر ثلاثا ويقول : (( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) ) ، ثم يذكر بقية الدعاء الذي ذكره عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
وتأمل في هذا الحديث كلمة تدل على إحاطة الله عز وجل بكل شيء يقول : ( أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ) : الصاحب في السفر يعني تصحبني في سفري ، تيسره عليّ تسهله عليّ ، وأنت الخليفة في الأهل أي : خليفتي في أهلي من بعدي تحوطهم برعايتك وعنايتك ، فهو جل وعلا مع الإنسان في سفره وخليفته في أهله ، لأنه جل وعلا بكل شيء محيط ، والله الموفق .