توضيح الشيخ لأقسام البدعة التي ذكرها الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام، مع ذكر بعض أمثلتها. حفظ
الشيخ : وللإمام الشاطبي رحمه الله ذاك الكتاب العظيم المعروف بـ *الاعتصام* وقد قسم البدعة إلى قسمين:
فالقسم الأول: البدعة الحقيقية، والقسم الآخر: البدعة الإضافية.
البدعة الحقيقية في اصطلاحه هي التي لا أصل لها مطلقًا في السنة أو في القرآن الكريم، كالعقائد المنحرفة عن الكتاب والسنة، كالاعتزال والجبر ونحو ذلك.
أما القسم الثاني، وهي البدعة الإضافية: فهي التي إذا نُظر إليها من جانب وجدتها مشروعة، وإذا نُظر إليها من جانب آخر وجدتها غير مشروعة، ويضرب على ذلك بعض الأمثلة الموضحة لهذه المسألة الهامة، لأننا نعلم في الواقع أنّ أكثر البدع المنتشرة اليوم وقبل اليوم في العالم الإسلامي هي من هذا القسم، ولذلك يغتر بها ضُعفاء العلم وهي البدعة الإضافية.
من الأمثلة على ذلك قوله -رحمه الله-: " الاستغفار دبر الصوات بصوت واحد ": هذا إذا نُظر إلى أصله وجدته سُنة، لأنه قد ثبت في *صحيح مسلم* ( أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا سلَّم قال: -أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله- ) قيل لراويه سفيان الثوري لمـّا روى هذا الحديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم استغفر ثلاثًا )، هكذا جاء الحديث، قيل لسفيان: كيف الاستغفار؟ فذكر ما ذكرتُه آنفًا، " أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله ".
من البدع الإضافية الآن أن نقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو إلى آخره، هذا بهذا الكمال لم يرد في هذا المكان، وإنما جاء مختصرًا كما ذكرنا آنفًا، فيقول الشاطبي -رحمه الله-: " فالاجتماع بصوتٍ واحد من المصلين دبر الصلاة هو من باب البدعة الإضافية "، لأنه أُضيف إلى هذا الاستغفار المشروع إضافات لم تكن، منها: أنهم طوّلوا الاستغفار وهو مختصر، ومنها: أنهم اجتمعوا عليه بصوت واحد، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في نفسه وكذلك الصحابة حين صلَّوا من خلفه.
ويضرب مثلاً آخر يسمى في بعض البلاد بـ " دعاء ختم الصلاة "، ونعلم جميعًا أن من السنة بعد السلام: الاستغفار، واللهم أنت السلام، والمعوذتين، والتسبيح والتحميد والتكبير إلى آخره، كل هذه الأشياء إنما يفعلها المصلون كل منهم على انفراد، والدعاء بعد الصلاة لم يأتِ مُطولًا، وإنما جاء بأدعية مختصرة، كمثل ما سبق ذكره: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، وكمثل وصية الرسول عليه السلام لمعاذ: ( لا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاة اللهم أَعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) فإنما هي كلمات يسيرات قليلات، أما هذا الدعاء الطويل بعد الأذكار التي أشرنا إليها، ثم دعاء الإمام للمصلين وتأمين هؤلاء على دعائه يقول الشاطبي: " هذه الهيئة محدثة لم تكن في عهد الرسول عليه السلام مع أن أصلها ثابت "، الأذكار، الدعاء مطلقًا فهذا يُشرع، لكن لما انضم إلى هذا المشروع ما لم يكن مشروعًا دخل الأمر فيما يُسميه هو بـ: " البدع الإضافية ".
والحقيقة أن البدع التي لا يمكن إحصاؤها جلها من هذا القبيل أي: البدع الإضافية، وبعض الناس لا ينتبهون لهذه الدقة فيرون أنه لا بأس من اعتياد بعض الأدعية أو بعض الأذكار وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يفعل ذلك.