ما رأيكم فيما ذهب إليه ابن حجر في أن تجريح النقَّاد في بعضهم إذا كان دافعه اختلاف الاعتقاد لا يُقبل، وتنزيل هذه القاعدة على طعن علماء السنة ببعض الرواة المبتدعة ؟ حفظ
الشيخ : غيره ؟
السائل : فضيلة الشيخ ذكر ابن حجر أن تجريح النقَّاد في بعضهم إذا كان دافعه اختلاف الاعتقاد لا يُقبل، وكيف نفهم هذه القاعدة إذا كان أهل السنة يبينون هذا في المبتدعين وغيرهم، وقد اعتمد بعض النقاد على هذه القاعدة في رد كلام كثير من أئمة السنة في المبتدعين، فكيف نفهم هذه القاعدة وخاصة أن القاسمي توسع في هذه المسألة في كتابه الجرح والتعديل ؟
الشيخ : نعم، لقد اختلف العلماء، علماء الحديث في مصطلحهم في قبول رواية الثقة الحافظ إذا كان مُبتدعًا، فمِن قائل: يجوز أن تقبل روايته مطلقًا مادام لا يزال في دائرة الإسلام ولو كان مبتدعًا بشرط العدالة والضبط والحفظ.
ومنهم من قال: تقبل روايته ولو كان مبتدعًا بشرط ألا يكون داعية إلى بدعته.
ومنهم من أطلق فلا تقبل رواية المبتدع ولو كان صادقًا حافظًا.
والذي اعتمده الحافظ ابن حجر نفسُه في هذه القضية في *شرح النخبة* هو القول الأول، وهو أنه تُقبل رواية المبتدع ما دام لم يخرج ببدعته عن دائرة الإسلام، لأن العمدة في الاعتماد في رواية الحديث ليس هو المذهب الذي غلب على هذا الراوي من حيث العقيدة أو من حيث العبادة، وإنما العمدة في كل ذلك على ثقته في ضبطه وروايته مع كونه عدلًا من الناحية الإسلامية العامة، فلا يكون مثلًا فاسقًا ولا مخلًّا بشيء من آداب المروءة، ولو أنه وقع في بدعة ما ما دامت أن هذه البدعة لم تخرجه عن دائرة الإسلام فحديثه يكون مقبولًا مهما كانت بدعته ما لم تخرجه عن إسلامه ودينه، هذا هو القول الذي رجَّحه الحافظ ابن حجر وكثير ممن جاء من بعدهم، ومنهم بطبيعة الحال العالم الدِّمشقي جمال الدين القاسمي، وإن كان هو واسع الخُطى في تبرير أو تسويغ ما كان عليه المعتزلة من كثير من الانحرافات عن السنة، ولكنه إذ تبنى قول الحافظ ابن حجر فهو خير سلف له في هذا الرأي المتعلق بالاعتماد على رواية المبتدع ما دام أنه لا يزال محكومًا عندنا بإسلامه.
السائل : شيخ السؤال عن تجريح النقاد نفسهم، يعني يرد قول أهل السنة إذا تكلم في مبتدع بدعوى أن الدافع لهذا الكلام هو اختلاف العقائد ؟
الشيخ : كيف أعد علي ؟
السائل : هم مثلوا لهذا بمثل الجوزقاني لما تكلم في أهل البصرة وغيرهم فشدد عليهم، لكن هذه القاعدة التي نقلت من بعضهم إلى كلام أهل السنة في بعض المبتدعة، وقالوا: لأن الدافع هو اختلاف الإعتقاد إذن يرد هذا القول، هذا التجريح.
الشيخ : يرد التجريح بالبدعة ؟
السائل : نعم.
الشيخ : طبعًا هذا أمر دقيق جدًّا فلا نستطيع أن نقول بالرد مُطلقًا أو بالقبول مطلقًا فالمسألة تحتاج إلى كثير من التَّحري، إذا عُرف أن أحد أئمة الجرح والتعديل عنده تشدد في تجريح بعض الناس ورميهم بالبدعة فهذا موجود مع الأسف فبعضهم مثلًا يَجرح بعض الرواة لمجرد كونه كان يرى أن عليًّا أفضل من أبي بكر وعمر، وهذا وإن كان خلاف ما عليه جمهور السلف الصالح فهذا لا يقتضي رميه بالتشيع أو بالرفض، لأنه كان يترضى عن جميع الصحابة إلا أنه كان يرى هذا الرأي ويفضل عليًّا عن الخلفاء الذين سبقوه في الخلافة، هذا تشدد غير محمود، ولكن لا يؤثر في رواية من اتهم بمثل هذه التهمة.