هل وقع خلاف بين السلف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ؟ حفظ
الشيخ : فالمثال الذي أتى به السائل الآخر هو اختلاف في الرؤية ، هل رأى محمد ربه ؟!
نعم يوجد شيء من هذا الاختلاف ولكن هذا الاختلاف ليس من النوع الأول ، بمعنى : لم يثبت عن أحدٍ من السلف بأنه قال جازماً بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه ، بل جاء عنهم خلاف ذلك ، كل ما في الأمر ممن أثبت الرؤية هو ابن عباس رضي الله عنه ، لكن الروايات التي وردت عنه مضطربة ولذلك ما يستطيع العالم أن يجزم بأن ابن عباس كان يقول بخلاف السيدة عائشة مثلًا ، السيدة عائشة كانت تنفي رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج جازمةً بذلك ، ومستعظمة كل الاستعظام لمن قد يقول بأنَّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه ، فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث مسروقٍ عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنه قال لها : -مسروق هو القائل- : ( يا أم المؤمنين هل رأى محمد ربه ؟ قالت : لقد قفّ شعري مما قلتَ ، قال : يا أم المؤمنين ارحميني ولا تعجلي عليَّ ، أليس يقول الله تبارك وتعالى : (( ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى )) قالت : أناْ أعلم الناس بذلك ، سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : رأيتُ جبريل في صورته التي خُلق فيها مرتين وله سئمائة جناح ) ، ثم قالت مؤكدة نفيها لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله تبارك وتعالى : " ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية : من حدثكم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربَّه فقد أعظم على الله الفرية ، ثم تلت قوله تبارك وتعالى : (( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولًا )) ، وتلت قوله تعالى : (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )) ، ومن حدثكم بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم ما في غدٍ فقد أعظم على الله الفِرية ، ثم تلت قوله تعالى : (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيبَ إلا الله )) ، ومن حدثكم بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئاً أُمِر بتبليغه فقد أعظم على الله الفِرية ، ثم تلت قوله تعالى : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) " : هذه رواية صحيحة في الصحيحين صريحة في أنَّ السيدة عائشة جزمت بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرَ ربه ، وعلى ذلك أحاديث تؤكد نفيها ، هذا حديث موقوف ، لأن هذا من قول عائشة ، لكن هناك أحاديث مرفوعة تؤكد ما قالته السيدة عائشة -رضي الله تعالى عنها- مثل حديث أبي ذر وهو أيضاً في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئل هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنَّى أراه ) .
وهذا تفصيله في حديث أبي موسى الأشعري وقد ذكره الإمام مسلم بعد حديث أبي ذر ، وفيه قال عليه السلام : ( حجابه النور ) : فإذاً لما سُئل عليه السلام هل رأيت ربك ، نفى ذلك ، فنفي عائشة وهي زوجة الرسول عليه السلام معنى هذا أنها تكلَّمت بعلمٍ تلقته من زوجها حيث لما سُئل عليه الصلاة والسلام : ( هل رأيت ربك ؟ قال : نور ) أي : هناك نور فكيف أراه ، فهذه عائشة تقول جازمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ومعها حديثين يشهدان لها .
مَن الذي خالف من الصحابة في هذه القضية ؟!
يُروى عن ابن عباس ثلاثة روايات :
رأى ربَّه ، رأى ربَّه بقلبه ، رأى ربَّه بعينه ، ثلاث روايات من طريق سِماك بن حرب عن ابن عباس ، ومعنى هذا أن الراوي للرؤية التي أثبتها ابن عباس تارة أطلق فقال : " رأى ربه " ، لكن المشكل هو : هل رأى ربه بعينه أم ببصيرته بقلبه ؟
هنا نأتي هذه الروايات الثلاث : رأى ربه مطلقة ، ثم روايتان أخريان مقيدة لكن إحداهما تخالف الأخرى : فإحداهما تقول : رأى ربه بقلبه ، والأخرى تقول : رأى ربه بعينه ، فإذاً الرواية مضطربة عن ابن عباس فلا نستطيع أن نقول : إن ابن عباس يخالف قول السيدة عائشة رضي الله عنها .
والقصد من هذه الكلمة المتممة للكلمة السابقة هو : أنه قد يصح مثل ذاك الاختلاف ولكن ليس كل اختلاف صحيح وهذا مثاله .
فنستطيع أن نقول إذاً : بأن نصب الخلاف بين عائشة في هذه المسألة وابن عباس ليس دقيقاً لأن الرواية عن ابن عباس مضطربة كما ذكرت آنفاً.