بيان معنى التوكل على الله تعالى وحقيقته. حفظ
الشيخ : والتوكل هو بمعنى الاعتماد على الله عز وجل ولكن يجب أن نعلم أن التوكل على الله صفة قلبية وليس لها علاقة بأعمال الجوارح، أي إن التوكل على الله والاعتماد عليه لا ينافي الأخذ بالأسباب الموصلة إلى المسببات، خلافاً لما يتوهم بعض الناس خاصة منهم الصوفية الغلاة الذين يظن أحدهم أن من تمام التوكل على الله ترك الأخذ بالأسباب هذا ليس بصحيح، بل هذا خلاف ما أمر الله تبارك وتعالى في كتابه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته فنحن مثلاً نقرأ في كتاب الله قوله تبارك وتعالى: (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )) ما قال لا تمشوا في الأرض وأنا أضمن لكم الرزق بل قال: (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً )) يمتن الله تبارك وتعالى على عباده حيث يسر لهم الانطلاق في الأرض فجعلها ذلولاً أي مهيأة مخضعة لينطلق الإنسان بيسر فيسعى لكسب رزقه المدخر له عند ربه فقال عز وجل : (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )) ففي هذه الآية حض على السعي والشرب في الأرض في سبيل طلب الرزق المدخر عند الله عز وجل، وما طلب الرزق أو وما مثل السعي وراء الرزق المدخر عند الله في السماء إلا كمثل السعي وراء دخول الجنة المسجل عند الله عز وجل في اللوح المحفوظ، فكما أن الجنة لا يمكن دخولها إلا باتخاذ أسبابها وأعظم أسبابها الإيمان بالله ورسوله ثم الأعمال الصالحة، فكما أن الجنة لا بد أنها مكتوبة لبعض الناس دون بعض فمن كان يريد أن يكون من أهل الجنة فلا بد له أن يتعاطى أسبابها ويطرق أبوابها وذلك باتخاذ الأسباب ألا وهي الأعمال الصالحة، كذلك الرزق المكتوب عند الله عز وجل لا بد من تعاطي الأسباب، وما يتوهمه بعض الناس من أن هناك بعض الأحاديث التي يتوهمون أن فيها ما يقرر خلاف ما أفادته هذه الآية أي أن يتكل الإنسان على الرزق المكتوب في الغيب ولا يتعاطى الأسباب فذلك وهم مجرد من ذلك، مثلاً استدلال بعضهم بالحديث المشهور الصحيح ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( لو توكلتم علىى الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) يفهمون من هذا الحديث أن الإنسان لو توكل على الله حق التوكل لرزقه الله دون أن يتعاطى الأسباب ودون أن يسعى في سبيل طلب الرزق، بينما الحديث يتضمن خلاف ذلك تماماً لأن الحديث لما ضرب المثل بالطير ما قال تمكث في أوكارها ويأتيها رزقها من ربها وإنما قال تغدوا أي تذهب في الغدوة في الصباح المبكر خماصاً يعني بطونها خاوية على عروشها ثم تروح مساءً وهي ممتلئة بطونها من إيش ؟ رزق ربها فإذن الحديث يدل أن من تمام التوكل على الله عز وجل الأخذ بالأسباب حتى الطير الذي ألهمه الله عز وجل يعرف أن طريق طلبه للرزق ليس هو بأن يخضع في زاوية من عشه ويقول كما يقول جهال المسلمين اليوم غير فاهمين ما يقولون : (( وفي السماء رزقكم وما توعدون )) هذا صحيح لكن هذا الرزق الذي في السماء هل يأتيك دون أن تطرق بابه ؟ الجواب: لا، فلا بد من طرق باب الرزق عند الله عز وجل وذلك بالضرب في الأرض كما في هذا الحديث تماماً (( لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً )) ممتلئ بطونها.
إذن التوكل على الله عز وجل لا ينافي الأخذ بالأسباب، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الوقت الذي سماه ربه تبارك وتعالى المتوكل فهو لم يدع الأخذ بالأسباب، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في ختام هذه الكلمة قال عليه السلام : ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ) هذا سبب من أشرف الأسباب ألا وهو أن النبي عليه السلام كان يقاتل في سبيل الله الكفار وقد جعل الله له حصة الخمس، فكان ذلك سبباً للرسول عليه السلام لطلب الرزق، فقال عليه الصلاة والسلام: ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) وبهذا القدر كفاية، وفي الدرس الآتي إن شاء الله نتمم التعليق على بقية الحديث.