شرح قول المؤلف : " ... و في صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا و لم يدركه فقال ( أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها و هم في أصلاب آبائهم و خلق للنار أهلا خلقهم لها و هم في أصلاب آبائهم ) . و عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل شيء بقدر حتى العجز و الكيس ) رواه مسلم . و عن قتادة ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : (( تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر )) قال " يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها " رواه عبد الرزاق و ابن جرير و قد روي معنى ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ و الحسن و أبي عبد الرحمن السلمي و سعيد بن جبير و مقاتل . و عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : " إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور و كتابه نور عرضه ما بين السماء و الأرض ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة و ستين نظرة ففي كل نظرة منها يخلق و يرزق و يحيي و يميت و يعز و يذل و يفعل ما يشاء فذلك قوله تعالى : (( كل يوم هو في شأن )) رواه عبد الرزاق و ابن المنذر و الطبراني و الحاكم . قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ لما ذكر هذه الأحاديث و ما في معناها و قال فهذا تقدير يومي و الذي قبله تقدير حولي و الذي قبله تقدير عمري عند تعلق النفس به و الذي قبله كذلك عند أول تخليقه و كونه مضغة و الذي قبله تقدير سابق على وجوه لكن بعد خلق السموات و الأرض الذي قبله تقدير سابق على خلق السموات و الأرض بخمسين ألف سنة و كل واحد من هذه التقادير كالتفصيل من التقدير السابق و في ذلك دليل على كمال علم الرب و قدرته و حكمته و زيادة تعريفه الملائكة و عباده المؤمنين بنفسه و أسمائه ؛ ثم قال فاتفقت هذه الأحاديث و نظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل و لا يوجب الاتكال عليه بل يوجب الجد و الاجتهاد ، و لهذا لما سمع بعض الصحابة ذلك قال ما كنت بأشد اجتهاد ا مني الآن ، و قال أبو عثمان النهدي لسلمان لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحا مني بآخره و ذلك لأنه إذا كان قد سبق له من الله أعظم من فرحه بالأسباب التي تأتي بها ... " . حفظ