فوائد حديث: ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ... ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث من الفوائد أولًا: حرص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على إنكار المنكر، لأنه لما سمع هذا المنكر ناداهم ولم يسكت، وظاهره أنه ناداهم من بعد يعني لم يصبر حتى يصل إليهم فيكلمهم بكلام معتاد، بل ناداهم من بعد وأخبرهم بما أوحاه الله تعالى من النهي، ومن فوائد هذا الحديث: أن من كان جاهلًا فإنه لا يؤاخذ، ولهذا لم يعنفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بل بين لهم الحكم دون أن يوبخهم ويعنفهم، ومنها: البناء على الأصل وهو أن يبقى الإنسان على ما كان عليه حتى يتبين نقل الحكم أو الحال عن الأصل، دليله: فعل عمر رضي الله عنه حيث حلف بالأب، ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي في المسائل المهمة أن تؤكد بأنواع التأكيدات، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف النهي إلى الله ولاشك أن إضافة النهي إلى الله تعطي الإنسان قوة في اجتناب هذا المنهي عنه، لأن الله سبحانه وتعالى له الحكم وبيده ملكوت السماوات والأرض، وما صدر عنه فإنه أقوى مما صدر عن غيره، ولهذا قال: ( إلا إن الله ينهاكم ) إلا أن هذه الفائدة قد ينازع فيها فيقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نسب النهي إلى الله لأن الله نهى عن ذلك لا من أجل أن يؤكد الاجتناب، وهذا قد يقال إنه أقرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه البلاغ، ومن فوائد هذا الحديث: أن تعظيم الآباء كان معروفًا في الجاهلية، ولهذا يحلفون بآبائهم وهذا أمر فطري كل الناس يعظمون آبائهم ويحترمونهم إلا من ضل عن سواء السبيل فهذا له شأنه، ومن فوائد هذا الحديث: جواز اليمين إذا كانت على وجه مشروع لقوله: ( من كان حالفًا فليحلف بالله ) ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا نهى عن شيء أن يذكر ما يكون بدلًا عنه، وهذه طريقة القرآن والسنة انظر إلى قول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا )) فلما ذكر اللفظ المنهي عنه أتى ببدله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيع التمر الرديء بالجيد مع الزيادة قال: ( هذا عين الربا ) ولكن بع التمر يعني الرديء بالدراهم ثم اشتري بالدراهم تمرًا جيدًا، فلما ذكر الممنوع ذكر ما يقوم مقامه وهذا في الحقيقة هو خلاصة الدعوة، لأن الناس إذا ذكر لهم ما كانوا يعتادونه أو يستحسنونه وهو مخالف للشرع ثم قيل لهم اجتنبوه دون أن يوجد لهم بديل فإن ذلك يشق عليهم، وربما لا يمتثلون أمر الله ورسوله فأنت إذا نصحت إنسانًا أو أمرت بمعروف ونهيت عن منكر فبيّن له الشيء المباح ليكون ذلك أدعى للقبول، وهنا مسائل خارجة عن موضوع الحديث، أولًا: لو حلف الإنسان بأبيه فهل تنعقد اليمين؟ الجواب: لا، اليمين لا تنعقد لأن هذا الحلف حرام، وإذا كان حرامًا فإن اليمين لا تنعقد، لأنه بانعقادها يترتب عليها الكفارة إذا حنث فيها والكفارة قربة إلى الله، والله عز وجل لا يتقرّب إليه بما كان معصية، وأيضًا لو حلف الإنسان بغير أبيه حلف برئيسه أو بالشمس أو بالقمر فهل يكون كالحلف بالآباء أو لا؟ نعم هو كالحلف بالآباء فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أو تقييده الحلف بالآباء بناء على أن هذا هو الذي وقع فما كان مثله فإن له حكمه، فإذا حلف الإنسان برئيسه أو بجده أو بأمه فالحكم في ذلك واحد، ثم قال: " وفي رواية لأبي داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون ) قبل أن نتجاوز الرسول يقول: ( فليحلف بالله ) " ، هذا مما يتفرع من فوائد الحديث الأول، أو مما يتفرع عليه لو حلف بالرحمن؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : بالرحيم؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : إذن قال: ( فليحلف بالله ) لأن هذا هو العَلَم الذي لا يسمى به غير الله عز وجل، وعلى هذا فجميع أسماء الله يجوز الحلف بها، والحلف بصفاته جائز أيضًا لو قال وعزة الله وقدرة الله لأفعلن كذا وكذا فهو جائز، ومنه فيما يظهر قول إبليس لرب العالمين: (( فبعزتك لأغوينهم أجمعين )) فإن هذا من الحلف بصفة الله، ومنه على رأي بعض العلماء قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( يا مقلب القلوب ) فإن تقليب القلوب من صفاته الفعلية، وعلى كل حال نقول: الصحيح أن الحلف بصفات الله جائز ومنعقد، الحلف بآيات الله؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : فيه تفصيل، إن كان مراد الحالف بآيات الله الكونية فهذا لا يجوز ولا ينعقد به اليمين، مثل أن يقول: والشمس والقمر والليل والنهار فهذا كله حرام مع أنها من آيات الله، لكنها من آيات الله الكونية فلا يجوز الحلف بها، أما إذا كانت من آيات الله الشرعية كالقرآن فالقرآن صفة من صفات الله لأنه كلام الله فيجوز الحلف بذلك، ولهذا ينبغي أن نسأل العامي إذا سمعناه يحلف بآيات الله كما هو كثير الآن وشائع نقول ماذا تريد بآيات الله، قد يقول أنا لا أعرف من آيات الله إلا الليل والنهار والشمس والقمر، نقول إن أردت ذلك فالحلف بها حرام ولا يجوز، فإذا قال أنا أريد بآيات الله المصحف أو القرآن قلنا هذا لا بأس به، لكن بشرط أن يريد بالمصحف القرآن لا الورق والجلد نعم.