وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحكم أحدٌ بين اثنين وهو غضبان ) متفق عليه. حفظ
الشيخ : فيما نقله عن أبي بكرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ) لا يحكم بالسكون على أن لا ناهية، وبالرفع على أنها نافية، فأما على الوجه الأول فلا إشكال، وأما على الوجه الثاني وهو النفي فإن العلماء علماء البلاغة قالوا: إذا جاء النفي في موطن النهي فإنه يكون أوكد، كأن هذا الأمر أمر ثابت لابد منه، يعني أنه لا يمكن أن يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان، وعلى هذا فما جاء بصورة الخبر في موضع الطلب فإنه يكون أقوى مما لو جاء بلفظ الطلب، كأن هذا أمر مستقر يخبر عنه خبرًا و لا يطلب طلبًا، ومثل ذلك العطف إذا جاء الطلب في موضع الخبر صار أقوى، مثل قوله تعالى: (( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم )) هذه أبلغ من قوله ونحن نحمل، لأن اللام هنا للأمر كأنهم ألزموا أنفسهم بإيش؟ بحمل الخطايا فهو أشد من الوعد وأقوى من الوعد هنا يا إخوان لا يحسن أو لا يحكم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان وجملة ( وهو غضبان ) جملة حالية من فاعل ( يحكم ) أي: والحال أنه غضبان، فما هو الغضب؟ الغضب حده النبي عليه الصلاة والسلام بحد هو أحسن الحدود قال إنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى يفور دمه ثم قال على فرع إلى انتفاخ أوداجه واحمرار عينيه، فهو جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان ثم يغلي دمه حتى لا يستطيع أن يضبط نفسه وربما غاب غيبة كاملة لا يشعر بشيء إطلاقًا، لا يدري أهو في أرض أم في سماء، ففي هذا الحديث نهي الحاكم أن يقضي بين اثنين وهو غضبان لماذا؟ لأنه أي الغضب يمنعه من تصور المسألة أولًا ثم تطبيق الحكم الشرعي عليها، وهذا يؤثر في الحكم لأنه سبق لنا أن الحكم لابد له من ثلاثة أمور الأول: تصور القضية، والثاني: العلم بالشرع، والثالث: انطباق هذا الشرع على هذه القضية، والغضبان لا شك أنه سوف لا يدرك واحدًا من هذا، لكنا نقول الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام طرفان ووسط، الطرف الأول: أول الغضب الذي يدرك الإنسان فيه ما يتصوره ويدرك تطبيق الأحكام الشرعية عليه فهذا لا يمنع من القضاء، يعني له أن يقضي ولو كان غضبان بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين الزبير وخصمه وهو غضبان، لكنه غضب لا يمنعه من تصور القضية ولا من تطبيق الأحكام الشرعية عليه، الثاني الطرف الثاني: غضب شديد لا يحس الإنسان بنفسه ولا يدري أهو في أرض أو في سماء فهذا لا عبرة بقوله ولا يقضي بين الناس وهذا متفق عليه بين العلماء، والثالث: الوسط الذي لا يملك نفسه لكنه يدرك ما يقول ويدري أنه في أرض أو في سماء، ولكن الغضب كأنه شيء يكرهه على أن يقول ما يقول أو يفعل ما يفعل فهذا موضع خلاف بين العلماء في تنفيذ الأحكام التي تجري من مثل هذا، وأما القضاء فإنه لا يقضي فصار القاضي لا يقضي في حال الغضب المتوسط والغضب الشديد النهاية، أما الغضب اليسير فإنه لا بأس أن يقضي به لأنه لا يكاد يخلو مجلس القاضي من ذلك من الذي يأتي من الخصمين متأدبًا قلّ ذلك، ولهذا تجد أنه في مكان القضاء والحكم تجد أن اللغط والأصوات تكثر وربما يحصل المشاتمة بين الخصوم فلابد أن يثير غضب القاضي، لكن الغضب اليسير الذي لا يمنعه من تصور المسألة ولا من العلم بالشرع ولا من تطبيق الشرع عليها هذا لا يضره.