وعن معمر بن عبدالله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) . رواه مسلم . حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف -رحمه الله- قال : " وعن معمر بن عبد الله رضي الله عنهما " .
ثم نقل المؤلف : " عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) " :
الاحتكار بمعنى حبس الشيء ، حبس الشيء وإمساكه، هذا الاحتكار ، والمراد لا يحتكر -يا عبد الرحمن- المراد لا يحتكر يعني لا يحبس الشيء ويمنعه عن البيع ( إلا خاطئ ) .
والاحتكار نوعان : احتكار بمعنى الحبس حبسًا مطلقا ، بحيث لا يبيع ، كل من جاءه يطلب منه السلعة التي عنده أبى أن يبيعها ، والثاني : احتكار مقيد أي : أنه يحتكر السلع إلا بثمن يرضاه هو وإن كان فوق ثمن العادة ، وكلاهما خطأ قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) ، والخاطئ : هو مرتكب الخطأ عمدا وقصدا ، وعكسه المخطئ ، فإنه مرتكب الخطأ من غير عمد .
طيب إذًا المحتكر خاطئ أي : مرتكب للخطأ عن عمد ، وإذا كان خاطئا فإن الواجب رده إلى الصواب ، وذلك بأن يسعَّر عليه ، فإن كان قد منع بالكلية أجبر على البيع ، وإن كان قد منع إلا بالسعر الذي يراه هو أجبر على البيع بسعر المثل .
ثم إن ظاهر الحديث عموم الاحتكار في كل شيء ، وقيده بعض أهل العلم بالأشياء التي تكون ضرورية ، يضر الناس احتكارها ، أما الأشياء التي ليست ضرورية فإن للإنسان أن يحتكرها كالأمور الكمالية .
والصواب العموم ، لأن الكمال الكماليات والضروريات أمرها نسبي فقد يكون هذا الشيء كماليا عند قوم ضروريا عند آخرين ، ولا يمكن انضباط هذا الشيء .
فنقول : كل شيء يحتكره الإنسان مما يباع في الأسواق فإنه يعتبر خاطئا ، ( لا يحتكر إلا خاطئ ) .
ثم إن ظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون المحتكر واحدًا يشتري كل ما في السوق ثم يحتكره ، أو جماعة تحتكر هذا الشيء تتفق على أنها لا تبيعه إلا بسعر معين وهو لا يوجد عند غيرها كالخبازين مثلا والجزارين .
قال الخبازون : سنتفق على أن نبيع الخبز ثلاثا بالريال ، ولكنهم يربحون إذا باعوا أربعا بالريال هنا احتكروا .
قال الجزارون : سنتفق على أن نبيع الكيلو بعشرين ريالا وهم يربحون إذا باعوا بخمسة عشر ريالا هؤلاء محتكرون ، يجب على ولي الأمر أن يجبرهم على البيع كما يبيع الناس .
فإذا قال قائل : الناس هم ، لا يوجد أحد يبيع هذه السلع إلا هم ؟ قلنا : حينئذ يقدر ولي الأمر رأس المال ويقدر الربح ويقدر المؤونة والنفقة التي تترتب على إصلاح هذا الشيء ، ثم يضيف إليها نسبة معينة تكفي في الربح غالبا ، مثلا يقول : نقدر قيمة الدقيق ، قيمة العمال ، قيمة الوقود ، قيمة الأجرة أجرة المكان ، ثم نقدر نسبة أخرى تضاف إلى هذه القيمة تكون مقاربة ويجبر الناس على البيع على هذه الصفة .
من ذلك الآن ما يوجد بالصيدليات حيث قررت قيمة الأدوية وصار الناس لا يتلاعبون ، ولهذا نجد الشيء الذي لم تقدر قيمته نجد فيه تلاعبا كثيرا ، تدخل على صاحب المحل تقول : كم هذه السلعة ؟ فيقول لك : بمئة ، وتدخل على جاره تقول : بكم السلع هذه ؟ يقول : بخمسين ، إلى هذا الحد يعني يكون الفرق النصف والسلع واحدة والسوق واحد ، نعم كل هذا بسبب الاحتكار ، وغالب المشترين لا يعرفون الأسعار فيشترون كيفما اتفق .
بل إنه من العجب العجاب أن بعض الناس يشتري السلعة بثمن زهيد ثم يعرضها للبيع ويقول : إن ذكرتُ ثمنها وربحاً معتادًا قال الناس : هذه سلعة بائرة ، وإن رفعته وقلت : سعر الثمن كذا وكذا قالوا : هذه سلعة جيدة ، يقولون : إنهم يشترون هذه السلعة من البلد الآخر بعشرة ، ويبيعونها في هذا السوق بخمسين بل بثمانين ، لماذا ؟
قالوا : والله لأني لو أقول : هذه السلعة بخمسة عشر ، قالوا : هذه السلعة بائرة فهل يجوز لهذا الرجل أن يصنع هذا الصنع ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : لا ، نقول : إن في ذلك ضررًا بالناس ، والواجب على أهل الحسبة في الأسواق أن ينظروا ، فإذا كانت القيمة خمسة عشر مشوا إلى البائعين الآخرين ، وإذا كانوا قد رفعوا القيمة عن هذا المعتاد أجبروهم على أن ينزلوا القيمة حتى يعرف الناس أن كل الذي في السوق على حد سواء ، وغالب الناس عقولهم بما يسمعون أو يشاهدون ، كما يقول العامة يقول : " هذا عقله في عيونه وعقله في أذنه " ، إذا سمع أن الثمن كثير قال : هذه السلعة جيدة ، هذه جيدة ، وإذا كان قليل ولو كانت السلعة جيدة قال : هذه بائرة ليست بشيء .
طيب هذا الحديث أتى به المؤلف -رحمه الله- بعد حديث أنس ليُستدل به على أنه إذا كان سبب الغلاء احتكار الناس فإنهم خاطئون أي : الناس الذين احتكروا ، ويجب أن يسعر عليهم ، وأن يبيعوا بربح مناسب .