وعن معمر بن عبدالله رضي الله عنه قال : إني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الطعام بالطعام مثلا بمثل ) وكان طعامنا يومئذ الشعير . رواه مسلم . حفظ
الشيخ : " وعن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال : إني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وكان طعامنا يومئذ الشعير ) رواه مسلم " :
( إني كنت أسمع ) : هذا حكاية حال ماضية بالفعل المضارع الدال على الحال ، وفائدة التعبير هكذا : الإشارة إلى أن يتصور الأمر وكأنه الآن ، تأكيدًا لضبطه إياه ، وإلا فمن الممكن أن يقول : ( إني سمعت ) ، ومن المعلوم لنا جميعا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن دائمًا يتكلم بهذا وهذا يسمعه دائما ، لكن سمعه مرة وقال : ( كنت أسمع ) تحقيقا لضبطه لهذا السماع ، وأنه كأنه حاضر الآن .
يقول : ( الطعام بالطعام مثلا بمثل ) : يعني في القدر ولا في الصفة ؟
الطالب : في القدر .
الشيخ : في القدر ليس في الصفة ، لأنه في الصفة لا يجوز أن يبيع صاعا طيبا بصاعين طيبين ، ولا يمكن أن يبيع صاعا طيبا بصاع طيب من جنس واحد لأن هذا عبث ، لكن المراد مثلا بمثل في المقدار ، وقد سبق لنا الاستشهاد بمجيء المثْل بمعنى المقدار ، في قوله تعالى : (( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن )) .
قال : ( وكان طعامَنا يومئذ الشعير ) : أنا عندي هكذا ، على أن طعام خبر مقدم ، والتقدير : وكان الشعير طعامَنا يومئذ ، وفائدة تقديم الخبر : الحصر يعني كأنه يقول : ليس لنا طعام إلا الشعير ، ويجوز أن يقال : ( وكان طعامُنا يومئذ الشعير ) : يعني الإخبار عن طعامهم بأنه الشعير لا عن الشعير بأنه طعامهم ، ولكن قد صح في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في زكاة الفطر قال : ( كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ، وكان طعامنا الشعير والتمر والزبيب والأقط ) ، والجمع بينهما :
إما أن يقال باختلاف الأحوال ، فأحيانا لا يوجد في الغالب إلا الشعير ، وقد توجد الأصناف الأربعة .
وإما أن يقال : بأن الأصناف كلها موجودة ولكن أكثرها الشعير ، وهذا هو الأقرب : أنها كلها موجودة لكن أغلبها الشعير .
على كل حال هذا الحديث يدل على أن بيع الشعير بالشعير لا بد أن يكون متماثلا ، ولكنَّ قوله يقول : ( الطعام بالطعام ) : قد يقال : إن في ذلك إشارة إلى العلة ، إلى علة الربا ، وهي : الطَّعم ، ولكن لا شك على هذا التقدير أنه لا يراد به كل مطعوم ، إذ لو أريد به كل مطعوم لدخل حتى الماء ، لأن الماء عند الإطلاق يدخل في الطعام ، كما قال تعالى : (( فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده )) .
ولكن المراد بالطعام ما يُطعم على أنه قوت ، فإن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يأكلون الشعير على أنه قوتهم ، يعني الذي هو مدد غذائهم ، وعلى هذا فيكون في هذا الحديث إشارة إلى القول الراجح في هذه المسألة : وهو أنَّ علة الربا في الأصناف الأربعة التي في حديث عبادة بن الصامت هو الطعم ، لكن نضيف إلى ذلك الكيل ، لأن كل الأحاديث الواردة في ذلك تقدر هذا بالكيل ، وعلى هذا فالطعام المكيل الذي يطعم ويقتاته الناس هو الذي يجري فيه الربا ، وأما الطعام الذي لا يكال أو ما ليس بقوت فإنه لا يجري فيه الربا ، مثل : الفاكهة على اختلاف أنواعها ، والخضار ، والسدر والإشنان ، والحناء ، وما أشبهها ، كل هذه ليس فيها ربا .