فوائد حديث :( من أسلف في ثمر فليسلف ... ). حفظ
الشيخ : أما ما يستفاد من الحديث ، فيستفاد من هذا الحديث :
أولاً : جواز السَّلَم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم عليه ، لكن أدخل عليه شروطا ، إنما هذا مأخوذ من جواز السلم في الأصل ، وهو أمرٌ مجمع عليه فيما أعلم ، وقد دل عليه القرآن في قوله تعالى : (( يأيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه )) ، قال ابن عباس رضي الله عنه : " إن السلم حلال في كتاب الله ، ثم تلا هذه الآية " ، وعلى هذا فيكون السلم ثابتا بالكتاب والسنة .
وهل السلم على وفق بالقياس أو على خلاف القياس ؟
ذكرنا أن هذه العبارة التي ترد من بعض العلماء فيها نظر من وجهين :
الوجه الأول : أنَّ كل حكم ثبت بنص فهو على مقتضى القياس ، لأن النص أصل برأسه ، وقياس برأسه ، فلا حاجة إلى أن نقول : إن هذا على خلاف القياس أو على وفقه .
الثاني : أن كل شيء قالوا : إنه على خلاف القياس فإنه عند التأمل موافق للقياس فالعبارة هذه فيها نظر من وجهين .
فنحن نقول : السلم على وفق القياس للوجهين المذكورين :
أولا : أنه قد ثبت به النص .
وثانيا : أن فيه منفعة للخلق ، فالبائع ينتفع والمشتري ينتفع .
وتوهُمِ بعض العلماء فقال : إن هذا من باب بيع المجهول ، وبيع المجهول الأصل فيه المنع ، فيكون هذا على خلاف القياس في منع بيع المجهول ، نقول : هذا غلط هذا وهم ، لأن السَّلَم ليس بيع شيء معين إنما هو بيع موصوف في الذمة ، فهو كعقد الإجارة على عمل العامل ، أعقد على شيء هو عمل ما بعد لم أره ، ولم أستوفه ، لكن العمل موصوف في ذمة العامل فهذا مثله ، فليس فيه شيء على خلاف القياس .
ومن فوائد الحديث : بيان توسعة الشريعة الإسلامية في المعاملات ، وأن الأصل في المعاملات الحِل حتى يقوم دليل على المنع .
ومن فوائد الحديث : اغتفار الجهل اليسير الذي ينغمر في المصلحة ، لأن الواقع أن السَّلَم فيه شيء من الجهالة ، ما هي ؟ أنه قد لا يوجد المسلَم فيه عند حلول الأجل ، قد لا يوجد فيبقى فيه شيء من الجهالة .
ثم إنه ليس الموصوف كالمشاهد ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( ليس الخبر كالمعاينة ) ، فلا يخلو من جهل ، لكنه مغتفر بجانب المصلحة .
يتفرع من هذه الفائدة : أن الجهالة اليسيرة المنغمرة في جانب المصلحة لا تضر ، وينبني على ذلك بيع البصل والفِجِل ونحوهما قبل قلعه ، قبل أن يقلع ، تعرفون البصل ها ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب هذا البصل يغرس في الأرض والمقصود منه مستتر لكن لما كانت الجهالة فيه يسيرة منغمرة في جانب المصلحة اغتفرها الشارع ، ولم يلتفت إليها ، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة : أنه يجوز بيع البصل ونحوه مما المقصود منه مستتر في الأرض ، لأن الجهالة فيه يسيرة مغتفرة في جانب المصلحة .
طيب من فوائد الحديث : أنه يجب علم المسْلَمِ فيه بالكيل ، لقوله : ( في كل معلوم ) ، أو الوزن لقوله : ( ووزن معلوم ) نعم .
ولكن هل يجب أن يُسلِم في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا أو يجوز أن يُسلِم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا ؟
فيه خلاف بين العلماء فمنهم من قال : إنه يجوز أن تسلِم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا ، فتقول مثلا : هذه مئة درهم بمئة كيلو من البر أو من الرز ، هذا وزن ولا كيل ؟
الطالب : وزن .
الشيخ : وزن هذا وزن ، أو هذه مئة درهم بمئة صاع من البر أو من الرز هذا كيل وهذا القول هو الصحيح : أنه يجوز الإسلام في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا بخلاف بيع المكيل بالمكيل فلا بد أن يكون بالمعيار الشرعي ، إذا بعنا برًا ببر لا بد أن نقدر بالوزن ولا بالكيل ؟
بالكيل ، وذلك لأنه يشترط التساوي ، أما في باب السلم فليس هناك عوض مع عوض آخر يجب أن يساويه .
طيب ، ومن فوائد الحديث : أنه لو أجَّله إلى أجل مجهول بطل السَّلَم أو لم يصح السلم ، لقوله : ( إلى أجل معلوم ) .
فلو قال : أسلمتُ إليك مئة درهم مئة صاع من البر إلى قدوم زيد ، فهذا لا يجوز ، لأن قدوم زيد غير معلوم .
فإن قال : إلى رمضان ؟
الطالب : صح .
الشيخ : صح لأنه معلوم ، وإن قال : إلى الحصاد أو الجذاذ ففيه خلاف : منهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه والصحيح الجواز .
وقد مر علينا غير بعيد ما يدل على جواز ذلك فما هو ؟
الطالب : حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة وجبي الصدقة ليس لها وقت معلوم .
الشيخ : نعم ، أن الرسول أجاز أخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة وهي ليست معلومة محددة بيوم أو بشهر معين لكن بزمن ، فإذًا الصحيح أنه يجوز إلى إيش ؟ إلى الحصاد والجذاذ .
طيب من فوائد الحديث : أنه لا بد أن يكون السَّلَمُ مؤجلا ، مؤجلا ، لقوله : ( إلى أجل معلوم ) ، ولكن الأجل إلى متى ؟ طويل ولا قصير ، يعني هل يكفي إلى أجل ، مثلا أن أقول : أسلمت لك مئة درهم بمئة صاع بر لمدة ستين دقيقة ؟ ها ؟ ما يصح ، العلماء -رحمهم الله- قالوا : لا بد من أجل له وقع في الثمن ، يعني أن الثمن ينقص به ، أما ما لا يتأثر به الثمن فهذا كغير المؤجل ، أنتم فاهمين ولا لا ؟ ها .
طيب وبناء على ذلك يمكن أن تختلف المدة باعتبار المواسم ، فقد يكون مثلا في أول زمن الشتاء وأسلمت إليه بثياب شتاء ، المدة الوجيزة لها وقع في الثمن ولا لا ؟ لها وقع في الثمن ، لأن الناس يقبلون على طلب هذه الثياب ، وبناء على ذلك ينظر إلى المدة التي يقول أهل الخبرة : إن لها تأثيرا ووقعا في الثمن .
طيب وقيل : إنه يصح السَّلَم في الحال ، وجعلوا الشرط منصبا على الصفة دون الموصوف ، ما هي الصفة ؟ معلوم ، يعني وأنك إذا أسلمت إلى أجل فليكن الأجل معلوم ، وإن سلمت في حاضر فلا بأس ، وبناء على ذلك فيجوز أن أسلم إليك مئة درهم بمئة صاع من البر ولا نذكر الأجل وتأتي بها في آخر النهار ، نعم ، ولكن الذين يقولون بعدم الجواز يقولون : إن هذا يكون بيعا لا سَلَمًا ، فيحملونه على الوجه الذي يصح وهو البيع ، يحملونه على البيع ، ولكن الذي يظهر أن الغالب أن مقتضى الحال في السلم أن يكون إلى إلى أجل ، من أجل أن ينتفع البائع والمبتاع .
طيب من فوائد الحديث : جواز استصناع الصنعة ، ها ؟ معروفة ؟ يعني تأتي إلى نجار وتقول : أُسلِم إليك مئة درهم بباب تصنعه لي صفته كذا وكذا وتفصله ، نعم لأنه إذا جاز في الأعيان جاز في الصنائع ، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء :
فمنهم من قال بالجواز ، ومنهم من قال بالمنع ، والصحيح الجواز وهو الذي عليه عمل الناس ، يأتي الإنسان إلى النجار يقول : أصلح لي الباب ، يأتي إلى الحداد يقول : أصلح لي شبكات ، يأتي إلى الخراز يقول : أصلح لي حذاء للصنعة ، فالصواب أنه يجوز استصناع الصنعة سواء أتيت أنت بالمادة أم لم تأت ، بالمادة مثل أن تأتي بالخرقة للخياط وتقول : اصنع لي هذا الثواب على الوجه الفلاني وتعينه ، أو هو بنفسه تكون الخرقة منه وتستصنع منه الثوب كاملا .
طيب يستفاد من هذا الحديث : اشتراط العلم بوصف المسلَم فيه ، اشتارط العلم بوصفه ، يعني أنه لا يجوز أن تقول : أسلمت إليك مئة درهم بمئة صاع من البر حتى تصف هذا البر ، ها من أين يؤخذ ؟
من قوله : ( في كيل معلوم ) ، لأن هذا يشمل علم القدر وعلم الصفة ، فإن أبيت إلا أنه يختص بعلم القدر فإننا نقول : علم الصفة مقيس على علم القدر ، فإذا كان الشارع اشترط أن يكون القدر معلومًا فكذلك الصفة يجب أن تكون معلومة .
طيب إذا وصفته بأنه طيب ، أسلمت إليك مئة درهم بمئة صاع بر طيب صحيح ؟ ها ؟
الطالب : صحيح .
الشيخ : إذا وصفته بأنه أطيب شيء ؟
الطالب : لا يصح .
الشيخ : ففيه خلاف بعض العلماء يقول : لا يصح لأن أطيب شيء لا يمكن الإحاطة به ، إذ ما من شيء إلا وفوقه أطيب منه ، فإذا قلت : أطيب شيء ومثلا دار في البلد أن هذا أطيب شيء وجدته ، إي لكن مو بأطيب شيء في الدنيا ، راح لبريدة يدور وجاب الطيب أطيب ما في بريدة ، أي لكن ماهو بأطيب شيء ، في الرياض أطيب راح للرياض أقول له : آه في جدة أطيب منه في الشرقية أطيب منه ، جاب من هذا في بشاور أطيب منه نعم وهكذا ، فلذلك قال العلماء : لا يجوز أن تقول : أطيب ، لأن أطيب اسم تفضيل يقتضي أن يكون ليس فوقه شيء .
وقال بعض العلماء : بل يجوز أطيب ، ويحمل على ما جرى به العرف : يعني أطبب ما يوجد في السوق مثلا أو في البلد .
أما أطيب ما يوجد في الدنيا فهذه ما تخطر على بال أحد ، وهذا هو الذي عليه العمل ، حتى عمل الناس الآن في مكاتبهم يقولون : أطيب ما يكون ويرون كلهم أن قوله : أطيب ما يكون أي : في هذا البلد أو في السوق ، نعم .