تتمة شرح قول صلى الله عليه وسلم ( ... والتارك لدينه المفارق للجماعة ) . حفظ
الشيخ : أما الثالث فقال : ( التارك لدينه المفارق للجماعة ) : التارك لدينه : يعني الذي ترك دينه وهو المرتد فإنه يقتل ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
ولكن هل يُقتل بمجرد الردة أو يجب أن يستتاب ثلاثة أيام ، أو يفرق بين أنواع الردة ، فمنها ما لا يستتاب فيه ومنها ما يستتاب فيه ؟ كم هذه ؟ ثلاثة احتمالات : هل يقتل بمجرد الردة ، أو لا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام فيقال له : تب وإلا قتلناك ، أو يفرق بين أنواع الردة ، فيستتاب في بعضها ولا يستتاب في البعض الآخر !
لننظر ، قال بعض العلماء : إنه لا يستتاب ، لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ، ( من بدل دينه فاقتلوه ) وهذا عام . " والشرط يتلوه المشروط بمجرد وجوده " ، انتبه للقاعدة : الشرط يتلوه المشروط بمجرد وجوده ، فإذا قلت لك : إذا قام زيد فقم متى تقوم ؟ إذا قام زيد فورا ، ( من بدل دينه فاقتلوه ) مَن شرطية ، فإذا وجد التبديل ثبت القتل مباشرة ولا يستتاب في أي ذنب ، لأن ذلك أنكى وأردع لغيره من الردة ، وإلى هذا ذهب بعض العلماء ، وقال : لا استتابة في أي ذنب من الكفر .
وقال بعض العلماء : بل يستتاب ثلاثاً في كل ذنب ، لعله يرجع ويؤوب إلى رشده ، والرأفة خير من العقوبة ، وهو إذا مات بعد أن رجع ربح الدنيا والآخرة ، وإن قتل على ردته خسر الدنيا والآخرة .
وقال بعض العلماء : في ذلك تفصيل ، فالكفر الذي تقبل توبة المرتد فيه يستتاب ، والذي لا تقبل توبة المرتد فيه لا يستتاب ، لأنه لا فائدة ، حتى ولو تاب فإنه لا فائدة من ذلك ، وعلى هذا تنوع الردة إلى نوعين :
نوع لا تقبل فيه التوبة .
ونوع تقبل .
فمن الذي لا تقبل فيه التوبة الكفر بالسحر ، الكفر بالسحر ، فمن كفر بالسحر فإنه يقتل فوراً وهو الذي يستعين في سحره بالشياطين ، فهذا يقتل فورا لما يترتب على بقائه من الأذية ، ولأنه لا يؤمَنْ أن يرجع ولو تاب ، ومن ذلك -أي : ممن لا تقبل توبته- من سب الله ، فإن توبته لا تقبل ، وعللوا ذلك بأن سب الله ذنب عظيم لا يغتفر فلا تقبل فيه التوبة ، ولا يستتاب ، يقتل بكل حال ، وكذلك من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل بكل حال ولا يستتاب ، ولو تاب لم نقبل توبته ، وإذا رجع إلى ربه فالله عز وجل يحاسبه بما يشاء ، حتى لو تاب لعظم ذنبه .
ومن ذلك المنافق لا تقبل توبته ، لأن المنافق من الأصل يدعي أنه مسلم ، فلا فائدة من قبول توبته ، هو من الأصل يقول : إنه مسلم ، فيقتل .
ومن ذلك الزنديق الداعي للزندقة والكفر وذلك لعظم جرمه وفساده في الأرض فلا تقبل توبته .
وهؤلاء لا يستتابون ، لأنه لا فائدة من التوبة ، والصحيح في كل هؤلاء أن توبتهم مقبولة ، لعموم قول الله تعالى : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا )) ، ولقوله تعالى : (( والذين لا يدعُون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا )) إلى قوله : (( إلا من تاب وءامن وعمل عملًا صلحًا فأولئك يُبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيمًا )) .
وهذا القول أصح ، لكن من شككنا في أمره فإنه تجب مراقبته ، فإن دلت القرينة على صحة توبته وإلا لم نقبل منه كالمنافق مثلا ، المنافق يحتاج أن نراقبه وننظر هل توبته صحيحة أو لا ؟ فإن تبين أن توبته صحيحة ورأيناه يخشى الله في السر والعلانية ، ويبين ، قَبِلنا لقول الله تعالى : (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله )) : شروط وقيود ، (( فأولئك مع المؤمنين )) : وهذا القول هو الصحيح ، وإذا قبلنا توبته رفعنا القتل عنه إلا سابَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإننا نقتله ولو تاب ، بخلاف من سب الله فإننا نقبل توبته ولا نقتله .
ولا تقولوا : كيف نقتل من سب الرسول إذا تاب ولا نقتل من سب الله إذا تاب ؟ أفليس سب الله أعظم من سب الرسول ؟! الجواب : بلى أعظم بكثير ، لكن الله أخبر عن عفوه عن حقه إذا تاب الإنسان ، وأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يخبرنا عن سقوط حقه إذا تاب الإنسان ، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم تعلق به أمران : حق لله وحق للرسول ، أما حق الله فنقبل منه التوبة ، ونقول : الآن أنت مسلم ولكن القتل لا بد أن نقتلك ، وإذا قتلناه بعد التوبة فإنه مؤمن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالرحمة ويدفن مع المسلمين ، هذا هو القول الصحيح : أن كل كافر فإن توبته مقبولة لكن من شككنا في أمره فلا بد من مراقبته ومتابعته ، فإن دلت القرينة على أنه يلعب علينا وأنه كاذب لم نقبل منه .
بقي علينا أن نقول : هل يستتاب إذا قلنا بقول توبة كل كافر هل يستتاب أو لا ؟ الصحيح أن الاستتابة راجعة إلى اجتهاد الإمام ، إن رأى في استتابته مصلحة استتابه وإلا فلا ، فالإمام مثلا قد لا يرى الاستتابة في حقه لعظم جرمه لكونه مثلا يدعو إلى الكفر ويضل الناس ويمشي بينهم بالفساد ، هذا لا ينبغي أن يستتاب .
وقد يكون الكافر الذي ارتد قد يكون مسالما لا يدعو إلى ما هو عليه ولكن معه صنعة تنفع المسلمين ، وإذا قتلناه خسرنا هذه الصنعة فهنا الأولى إيش ؟ الأولى الاستتابة ، فيُرجع في ذلك إلى رأي الإمام ، إذا رأى أن الاستتابة خير استتابه ، وإن رأى أن قتله فورا خير فليقتله ، ( التارك لدينه ، المفارق للجماعة ) : هل هذا قيد ؟ يعني أنه يشترط لردته أن يظهر مفارقته للجماعة ، وأنه لو ارتد خُفية لم يحل دمه ، أو أن هذا صفة كاشفة ، لأن المرتد عن الإسلام مفارق للجماعة ، فارق المسلمين أيهما ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني : أنها صفة كاشفة أي : مبينة بأن المرتد مفارق للجماعة ، وعلى هذا تكون الصفتان لموصوف واحد ، ولا تباين إحداهما الأخرى ، وهل يشمل قوله : ( التارك لدينه ) هل يشمل المرأة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، وهذا محل خلاف بين العلماء ، فقيل : إن المرأة إذا ارتدت لا تقتل ، ( لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل النساء ) .
وقيل : بل تقتل لعموم الحديث : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وهذا هو الصواب بل المتعين .
وأما النهي عن قتل النساء فذاك في نساء الكفار عند القتال فإن النساء لا يقتلن ، لأنهن لو قُتِلن لفاتت ماليتهن على المسلمين ، إذ أن نساء الكفار إذا ظهر المسلمون عليهم صِرن رقيقات بمجرد السَّبي ، ولهذا لا يجوز أن تقتل المرأة في جهاد الكفار ، بل تبقى .