فوائد حديث : ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ... ) . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد كثيرة :
أولًا : إثبات نزول القرآن ، والنزول لا يكون إلا من أعلى ، والقرآن نزل من عند الله ، فيدل ذلك على علو الله سبحانه وتعالى ، علو مكان أو علو مكانة ؟
الطالب : كلاهما .
الشيخ : كلاهما علو مكان وعلو مكانة ، ولهذا نقول : " إن أقسام علو الله اثنان :
علو ذات ، وعلو صفة "
، أما علو الصفة فقد اتفق المسلمون الذين يستقبلون قبلتنا على ثبوته ، وأما علو المكان فقد خالف فيه أهل البدع من الحلولية والمعطلة ، فمنهم من قال :
إن الله سبحانه وتعالى بذاته في كل مكان وليس بعال على الخلق .
ومنهم من قال : إن الله لا يوصف بالعلو بل نقول : هو لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ، ولا متصل ولا منفصل ولا مباين ولا مداخل ، فهؤلاء معطلون ، والآخرون ممثلون ، لأنهم جعلوا الله مثل الخلق في كل مكان .
أما أهل السنة والجماعة فيقولون : " إن الله فوق عرشه ، عال على كل شيء بائن من خلقه عز وجل " ، ويقولون : " إن دليلنا على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة وإنه حتى العجائز إذا دعون الله يرفعن أيديهن إلى السماء ، ولا نزاع في ذلك ، ولا يخالف في هذا إلا مهوس غير عاقل " .
أما علو المكانة وهو علو الصفة فهذا متفق عليه .
من فوائد هذا الحديث : أن القرآن كلام الله ، وجهه : أنه نزل من عنده وهو وصف ، صفة للمتكلم ، ليس عينا قائمة بنفسها حتى نقول : إنه كقوله تعالى : (( وأنزلنا من السَّماء ماء )) ، أو كقوله تعالى : (( وأنزل لكم من الأنعام ثمنية أزواج )) ، أو كقوله تعالى : (( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديدٌ )) ، لأن هذه الأشياء أعيان قائمة بنفسه مخلوقة .
أما القرآن فإنه كلام صفة ، صفة لمن ؟ للمتكلم به ، وعلى هذا فإذا قيل : نزل من عند الله ، لزم أن يكون كلامه وأنه صفة من صفاته غير مخلوق .
من الذين قالوا إنه مخلوق ؟ الأخ ! -نزل رأسك شوية، من ؟ أين ذهبت ؟ انتبه بارك الله فيك- طيب الذين قالوا : إنه مخلوق المعتزلة والجهمية ومحنهم مع أهل السنة كثيرة معروفة نحن نقول : إنه غير مخلوق لأنه وصف ، فالكلام ليس عينا قائمة بنفسها حتى يقال إنه مخلوق كالحديد والأنعام والمطر .
من فوائد هذا الحديث : إثبات النسخ ، والعلماء مجمعون على ثبوته من حيث الحقيقة والمعنى ، لكنهم شذَّ منهم مَن قال : إنه لا نسخ في القرآن ، كأبي مسلم الأصبهاني ، قال : ليس في القرآن نسخ ، وما جاء نسخًا في القرآن فهو تخصيص ، ولا يصلح أن نسميه نسخًا ، لأن النسخ إبطال ، إبطال لأي الحكمين ؟
الطالب : الأول .
الشيخ : الأول ، والله عز وجل يقول : (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )) فلا نسخ في القرآن ، نعم وهذا الذي ادعيتم أنه نسخ مثل قوله : (( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ )) هذا ليس بنسخ هذا تخصيص وليس بنسخ ، قالوا : كيف يكون تخصيص ؟ قال : نعم لأن الحكم الأول ممتد إلى القيامة لو بقي ، ممتد إلى يوم القيامة ، فإذا نُسخ معناه أننا خصصنا الزمن الذي بعد النسخ أخرجناه من الحكم العام الأول فيكون هذا تخصيصًا ، واضح الآن ؟
الطالب : واضح .
الشيخ : طيب لكنه يقر بالمعنى ، يقر بأن الحكم قد يرفع بعد ثبوته ، فنقول له : السلام عليكم ، نقول : السلام عليكم يدنا بيدك اتفقنا نحن وإياك على المعنى والحقيقة ، أنت إن شئت سمه تخصيصًا ونحن نسميه نسخًا ، فالخلاف الآن في التسمية ، " ولذلك أجمع المسلمون على ثبوت النسخ من حيث المعنى والحكم وإن اختلفوا في التسمية ما يضر " ، لكن الصحيح ثبوت النسخ ثبوت النسخ ، وأننا نسميه نسخًا لأن الله قال في الكتاب : (( ما ننسخ من ءايةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها )) : وهذا صريح في أن النسخ جائز وإلا لم يكن للكلام فائدة .
وأما قول أبي مسلم رحمه الله أو استدلاله بقوله : (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )) فنقول : لا يأتيه ما يبطله ، ومعلوم أن النسخ ليس إبطالا ، ليس إبطالا ، لكنه انتقال من حكم إلى حكم حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة كما سنبين إن شاء الله .
طيب وفي هذا الحديث من الفوائد : أن النسخ يكون باللفظ والحكم ، ويكون باللفظ فقط دون الحكم ، فبالنسبة لعشر رضعات معلومات النسخ ؟
الطالب : في اللفظ والحكم .
الشيخ : في اللفظ والحكم ، وبالنسبة للخمس ؟
الطالب : النسخ في اللفظ فقط .
الشيخ : النسخ في اللفظ فقط أما الحكم فباقي ، وقد يكون النسخ في الحكم دون اللفظ ، فمثلا قوله تعالى : (( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الَّذين كفروا بأنَّهم قومٌ لا يفقهون )) : في هذه الآية أنه لا يتحقق الصبر إلا إذا ثبت الواحد لعشرة : (( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا )) فلا يتحقق الصبر إلا بهذا ، وأن مَن فرَّ من تسعة وهو واحد فليس من الصابرين ، لكن الله عز وجل قال : (( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ )) فتجدنا الآن أن الآية الأولى نسخت لكن حكماً أو لفظاً ؟
الطالب : حكما .
الشيخ : حكماً وبقي اللفظ .
قد يقول قائل : ما الفائدة من بقاء اللفظ وقد نسخ الحكم ؟ نقول لها فوائد كثيرة منها : التعبد لله بتلاوة هذه الآية المنسوخة وزيادة الأجر بتلاوتها .
ومنها : التذكير بنعمة الله حيث خفف عن عباده ، وهذه توجب للإنسان كلما تلاها أن يشكر الله ويحمده على هذا .
طيب فيه نسخ اللفظ دون الحكم مثل آية الرجم وهذا الحديث ، ما فائدة نسخ اللفظ وبقاء الحكم ؟! لأننا نحن ذكرنا فائدة نسخ الحكم وبقاء اللفظ فما فائدة العكس ؟ الفائدة التي هي من أهم ما يكون : بيان فضل هذه الأمة وشدة امتثالها لأمر الله ، ففي آية الرجم يحكم آخر الأمة بالرجم مع أنهم لا يجدون شيئا بين أيديهم في كتاب الله ، واليهود رفعوا الحكم بالرجم مع أنه موجود في التوراة ، ليتبين فضيلة هذه الأمة ، حيث إنها امتثلت لأمر لا تشاهده في كتابها لكن ورثته مِن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام التي بينت أن هذه الآية منسوخة .
طيب إذًا نُثبت في هذا الحديث دليل على إثبات النسخ .
وهنا تنبيه وهو : أنكم ربما تجدون في عبارات السلف كلمة نسخ تقول : هذه الآية نسخت الآية ، وهم يريدون بذلك التخصيص ، مثل قول بعضهم في قوله تعالى : (( إلَّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم )) : إنها تُحل الجمع بين الأختين لعموم قوله : (( أو ما ملكت أيمانهم )) ، فقالوا : هذه الآية نسختها قوله : (( وأن تجمعوا بين الأختين )) ، أو غير هذا ، المهم تأتي كلمة النسخ في كلام السابقين ، ومرادهم به : التخصيص ، فيكون مرادهم بالنسخ نسخ العموم الشامل لجميع أفراد العام ، لا رفع الحكم من أصله ، فحتى لا يغتر أحد بمثل هذا يجب أن يُعرف أن النسخ في عرف السابقين قد يطلق على التخصيص ، فما وجه تسميته نسخًا ؟ نعم ؟ أن فيه رفعًا لعموم الحكم ، وهذا نوع من النسخ ، واضح ؟! طيب .
يظهر بالمثال لو قلت لك : أكرم الطلبة ، فسوف يكون الحكم إكرام الطلبة المجتهد منهم وغيره أو لا ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : أكرم الطلبة المجتهد وغيره ، فإذا قلت : أكرم المجتهد معناه أنه نسخ الحكم باعتبار غير المجتهد ، نعم ؟
الطالب : هل نقول يا شيخ إذا نسخت الآية حكمًا لا لفظًا ، وأغلب المنسوخ لفظًا يصير مستحب ، مثل شيخ مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم فهل نقول أنه يصير مستحب أن يتصدق ؟
الشيخ : إيش تقولون ؟
الطالب : ما سمعنا السؤال .
الشيخ : يقول : إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الاستحباب ؟ كنسخ وجوب الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم نسخ هذا الوجوب ، هل نقول : تستحب أو لا ؟ هذا إن علمنا أن النسخ إنما هو للوجوب فقط بقي الاستحباب ، وإن علمنا أنه رفع للحكم كله فإنه لا يستحب ، لكن بالنسبة للصدقة غير مقيدة بكلمة بين يدي الرسول لا شك أنها سنة ، إلا أنها يحتاج إلى ثبوت استحبابها بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام ، والعجيب أن شيخ الإسلام -رحمه الله- توسع في هذه الناحية ، فقال : " ينبغي لمن قصد الجمعة أن يتصدق ، لأنه إذا كانت الصدقة مشروعة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فبين يدي مناجاة الله من باب أولى " ، لكن هذه المقالة فيها نظر ، لأننا نقول : أين هذا الحكم في وقت الرسول عليه الصلاة والسلام وفي وقت الصحابة ، فهل كانوا يفعلون ذلك ؟! أبدًا ما نعلم أنهم كانوا يتعمدون الصدقة بين يدي الصلاة لا الجمعة ولا غيرها ، وكنت أعمل بذلك أولاً فإذا خرجت من الجمعة خرجت بما تيسر نعم ، ولكني رأيت أن الأمر بخلاف ذلك ، لأن شيئا وجد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يقم بفعله فالسنة تركه ، لكن الصدقة من حيث هي معروف أنها مستحبة نعم رشاد!
الطالب : في الجمعة فقط ولا في جميع الصلوات ؟
الشيخ : عند الشيخ في الجمعة فقط .
الطالب : لماذا لا يعمل ؟
الشيخ : لعله والله أعلم لأنها يعني صلاة فريدة بنوعها وأوكد .