فوائد حديث : ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ) . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث : إثبات تحريم الرضاع ، يعني أنه يُحرِّم لا أنه محرَّم ، يحرِّم لقوله : ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق ) فأثبت أن للرضاع تحريما .
ومن فوائد الحديث : أنه يشترط لكون الرضاع محرِمًا أن يكون قبل الفطام وهذا الحكم اختلف العلماء فيه -رحمهم الله- فمن العلماء من قال : إن هذا هو المعتبر أي : أن الفطام هو المعتبر في تأثير الرضاع أو عدم التأثير استنادا إلى هذا الحديث واستنادا إلى المعنى أيضا ، المعنى : أنه إذا كان غذاء الطفل باللبن كان له أثر في نموه ، بل وفي عقله أيضًا ، وإذا كان غذاؤه بغير اللبن لم يكن له ذلك الأثر وإن كان يؤثر لكنه لا يكون له ذلك الأثر ، وإلا من المعلوم أن الإنسان لو يكون له أربعون سنة ويشرب لبناً من لبن الأنثى تأثر به وتغذى به ، لكن ليس هو الغذاء الأصلي أو الغذاء الرئيسي إذا فطم .
فإذًا هذا الرأي استند قائله إلى أمرين : أثر ونظر .
وقال بعض العلماء : لا يعتبر الفطام ، المعتبر الحولان ، فمتى رضع قبل تمام الحولين فالرضاع محرِّم ، ومتى رضع بعدهما فالرضاع غير محرم ، سواء فطم قبل الحولين أو لم يفطم بعدهما ، العبرة بالحولين ، هذا القول استندوا إلى قوله تعالى : (( والوالدت يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة )) : ولكن ليس في الآية دليل على هذا ، إنما بين الله أن من أراد أن يتم الرضاعة أرضع إلى الحولين ، ومن لا يتمها يرضع لأقل ، وهل يأثم أو لا يأثم ؟ ينبني على حالة الطفل ، إن كان يحتاج أثم إن فطمه قبل وإلا فلا .
هذا القول يفضُل القول الأول بشيء واحد ، وهو أنه محدد ، ليس فيه إشكال والشيء المحدد لا يكون فيه إشكال ، يرضع الطفل أول النهار ويعتبر رضاعه محرماً ، ويرضع في آخر النهار ولا يعتبر رضاعه شيئًا لأنه يبلغ عند زوال الشمس ، يبلغ حولين عند زوال الشمس ، بارك الله فيكم ، ففي الضحى هو في الحولين رضاعه محرم ، وبعد الظهر خارج الحولين فرضاعه لا يؤثر شيئا ، فهو محدد ، فمن هنا يكون أيسر ، يكون العمل به أيسر على المكلف ، لا شك ، الشيء المحدد العمل به أيسر ، لكن إذا كان في الفطام يأتي الإشكال هل هذا الطفل فطم أو ما فطم ؟ نعم ، فتحريره بالزمن أدق ، وهذا هو المشهور من المذهب : أن المعتبر الحولان ، وهذا له نظائر منها مسافة القصر منها : السفر الذي يقصر فيه : هل هو محدد بالمسافة أو محدد بالمعنى ؟
فيه خلاف : من العلماء من حدده بالمسافة على اختلاف فيما بينهم ، هل هي يومان ، أو فرسخ أو ثلاثة أميال ، مختلف فيها ، المهم محدد بالمسافة . ومنهم من حدده بالمعنى وقال : ما عده الناس سفرا فهو سفر وما لا فلا . ومعلوم أن المحدد بالمسافة إيش ؟ أدق وأيسر عملاً ، لكن يشكل عليه ظواهر النصوص التي لم تحدد ، والتحديد يحتاج إلى توقيف ، ما الذي يدلنا على أن الحد كذا ؟ فعلى كل حال لو ذهب ذاهب فقال : إنه يعتبر أبعدهما ، بمعنى أنه لو فُطم قبل الحولين فالعبرة بالحولين ، ولو تم الحولان قبل أن يفطم فالعبرة بالفطام ، يعني لو قال قائل بهذا القول لم يكن بعيدًا ، من أجل نجمع بين القولين نعم .
ومن فوائد هذا الحديث : حسن بيان الرسول عليه الصلاة والسلام ، حيث يأتي كلامه واضحا بينا وهو عليه الصلاة والسلام أفصح الخلق لا شك ، والذين يمارسون كلام الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا يعرفون الحديث الضعيف من غيره بمجرد أن يسمعوا الكلام ، لأنهم مارسوا كلام الرسول وعرفوا كيف كلماته وكيف أسلوبه ، الآن لو أن أحدًا أكثر المطالعة لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية مثلا ، ثم عُرض عليه كلام ولم يَعلم لمن هو ووجد أن الأسلوب أسلوب الشيخ ، عرف أن هذا الكلام كلام الشيخ .
كذلك كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، بل أبلغ ، لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر في النفس أكثر مما يؤثر كلام غيره ، ويُذكر عن شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه بمجرد أن يسمع الكلام المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : هذا لا يصح ، أو هذا صحيح دون أن يذكر سنده ودون أن يذكر مخرِّجه ، فإذا رجع إلى الأصول وجد أن الأمر كما قال ، وهذا شيء مجرب .