كتاب الصيام حفظ
الشيخ : كتاب الصّيام :
فيه ثبوت الشّهر، فيه المفطّرات، فيه آداب الصّائم، وما أشبه ذلك، فالفقهاء رحمهم الله يجعلون لكلّ جنس كتابا، ولكلّ نوع بابا، ولكلّ بحث فصلا، أي نعم.
الصّيام في اللغة: الإمساك، قال الشّاعر:
" خيل صيام وخيل غيرُ صائمة *** تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما " . قوله: " خيل صيام " أي: ممسكة، ومنه قوله تعالى -وكان الأجدر بنا أن نقدّمها على البيت-، قوله تعالى عن مريم: (( فقولي إنّي نذرت للرّحمن صوما )) أي: إمساكا عن الكلام.
وقول العامّة: " صامت عليه الأرض " : إذا التأمت عليه وأمسكته ، إذن الصّيام في اللغة: الإمساك.
وأمّا في الشّرع : " فهو التّعبّد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس " ، هل بين المعنى الشّرعي والمعنى اللّغوي علاقة؟
نعم، لأنّ كلاّ منهما إمساك، لكن الإمساك الشّرعي إمساك عن شيء معيّن .
فقولنا : التّعبّد لله هذا أمر لا بدّ منه ، وليذكر هذا في كلّ تعريف للعبادة فالصّلاة مثلا نقول هي: التّعبّد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة، والزّكاة: التّعبّد لله ببذل المال المخصوص إلى جهة مخصوصة وهكذا.
الصّيام مرتبته من الإسلام أنّه أحد أركانه ، وحكمه: أنه فرض بإجماع المسلمين لدلالة الكتاب والسّنّة عليه، قال الله تعالى: (( يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام )) أي: فرض.
وقال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام : ( إذا رأيتموه فصوموا ) والأمر للوجوب، فصيامه واجب بالكتاب والسّنّة وإجماع المسلمين إجماعا قطعيّا لم يختلف فيه اثنان لا سنّيّهم ولا بدعيّهم ، كلّهم مجمعون على صوم رمضان، ولهذا نقول : من أنكر وجوبه كفر إذا كان عائشًا بين المسلمين، لأنّه أنكر أمرا معلوما بالضّرورة من دين الإسلام.
أما من تركه تهاونا فقد اختلف العلماء في كفره، والصّحيح أنّه لا يكفر، وعن الإمام أحمد رواية: أنّه يكفر، قال: " لأنّه ركن من أركان الإسلام " ، والرّكن هو جانب الشّيء الأقوى وإذا سقط الرّكن سقط البيت ، لكن الصّحيح أنّه لا يكفر بترك شيء من الأعمال إلاّ الصّلاة كما قال عبد الله بن شقيق عن الصّحابة رضي الله عنهم.
وتكليف المسلمين بالصّيام تظهر فيه حكمة الله عزّ وجلّ، لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل العبادات متنوّعة:
بذل محبوب، وكفّ عن محبوب، وعمل فيه شيء من التّعب لكن بدون مشقّة، عمل: يعني معاناة عمل، بذل محبوب، كفّ عن محبوب، فالزّكاة مثلا هاه؟
الطالب : بذل محبوب.
الشيخ : بذل محبوب، قال تعالى: (( وتحبّون المال حبًّا جمًّا )) ولهذا تجد بعض النّاس يحاول بقدر ما يستطيع أن يقلّل من زكاته أو أن يسقطها، أو أن يصرفها في شيء واجب عليه عرفاً، الصّيام كفّ؟ ها؟
الطالب : عن محبوب.
الشيخ : عن محبوب، وانظر ما يحصل فيه من المشقّة : مشقّة المألوف فيما إذا كان اليوم شديد الحرّ طويلا تجد الإنسان يشتاق اشتياقا كبيرا إلى الماء، لكن ليعتاد الإنسان على كفّ النّفس فرضه الله.
أمّا العمل فمثل الصّلاة والوضوء والحجّ، مع أنّ الحجّ فيه أحيانا بذل؟
بذل محبوب.
الحكمة من هذا التّنويع ، لأنّ من النّاس من يسهل عليه العمل دون بذل المال، ومن النّاس من يسهل عليه بذل المال دون العمل، ومن الناس من يصعب عليه الكفّ عن المحبوب، عن الأكل والشّرب والأهل فلهذا نوّع الله العبادات ليعلم من يكون عابدًا لله ممّن يكون عابدًا لهواه، فهذه هي الحكمة في فرضيّة الصّيام، وإلاّ فقد يقول قائل: هذا إمساك ما الفائدة؟ هذا ما عمل عملا؟
فنقول له: ترك محبوبا، قد يكون العمل عليه أهون من ترك هذا المحبوب، فهذه هي الحكمة في إيجاب الصّيام على العباد.
ثمّ إنّ للصّيام حكما كثيرة أهمّها: التّقوى، وهي التي أشار الله إليها بقوله: (( يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون )).
الثاني: معرفة قدر نعم الله على العبد بتناول ما يشتهيه من الأكل والشّرب والنّكاح، لأنّ قدر النّعم لا يُعرف إلاّ بضدّها ، كما قيل: " وبضدّها تتبيّن الأشياءُ "، الإنسان الذي دائما شبعان وريّان ويتمتّع بأهله لا يعرف قدر هذه النّعمة، لكن إذا حجب عنها شرعا أو قدرا عرف قدر هذه النّعمة، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : إذن فيعرف الإنسان بذلك قدر نعمة الله عليه بتناول الأكل والشّرب والنّكاح، لأنّه يفقدها في هذا اليوم، فيشكر الله سبحانه وتعالى على التّيسير. ومن فوائدها: تعويد النفس على الصبر والتحمل حتى لا يكون الإنسان مترفا، فإن الإنسان قد يأتيه يوم يجوع فيه ويعطش فيكون هذا الصوم تمرينا له على الصبر والتحمل على فقد المحبوب وهذه تربية نفسيّة.
الرّابع: من الحِكَم أنّ الغنيّ يعرف حاجة الفقير فيرقّ له ويرحمه، ولهذا كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أجود النّاس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يقابل جبريل فيدارسه القرآن والإنسان قد لا يعرف حاجة المضطرّ إذا كان هو شبعان ولاّ لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : لكن إذا جاع عرف قدر الجوع وألمه فيرحم بذلك إخوانه الفقراء هذه خمس؟
الطالب : أربعة.
الشيخ : أربعة، الخامسة: أنّ فيه تضييقا لمجاري الشّيطان، لأنّه بكثرة الغذاء تمتلئ العروق دما فتتّسع، وبقلّته تضيق المجاري، ومجاري الدّم هي مسالك الشّيطان لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم ) ، ولهذا أُمر الإنسان الذي لا يستطيع الباءة أن يصوم لتضييق المجاري مجاري الدّم ويقلّ الشَّبق.
طيب السّادس: أنّ فيه حمية عن كثرة الفضولات والرّطوبات في البدن، ولهذا بعض النّاس يزداد صحّة بالصّوم، لأنّ الرّطوبات التي تلبّدت على البدن تتسرّب وتزول، حيث إنّ البدن يضمر وييبس فتتسرّب تلك الرّطوبات فيكون في ذلك فائدة عظيمة بالبدن وهذا أمر مشاهد.
سابعًا: ما يحصل بين يديه وخلفه من عبادة الله عزّ وجلّ فبين يديه السّحور، فإنّ السّحور عبادة لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام : ( تسحّروا فإنّ في السّحور بركة ) ، وما يحصل من الإفطار لأنّ أحبّ العباد إليه أعجلهم فطرا، فالإنسان يتناول ما يشتهي عبادة عند الإفطار فهذا من فوائده.
ومنها أيضا الفائدة الثامنة: أنّ الغالب على الصّائمين التّفرّغ للعبادة ولهذا تجد الإنسان في حال الصّيام تزداد عبادته وليس يوم فطره ويوم صومه سواء، إلاّ الغافل، الغافل هذا له شأن آخر، لكن الإنسان اليقظ الحازم الفطن الكيّس هذا يجعل يوم صومه غير يوم فطره، فلهذه الفوائد وغيرها ممّا لم نذكره أوجب الله الصّيام على العباد.
وليس الصّوم أي: ليس إيجابه خاصّا بهذه الأمّة بل هو عامّ للأمم كلّها : (( كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون )) .
ثمّ اعلم أنّ الصّيام خصّ بشهر معيّن من السّنة أشار الله تبارك وتعالى إلى الحكمة في تخصيصه بقوله: (( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن )) وقد احتجّ بهذه المناسبة أصحاب أعياد الميلاد ، وقالوا: هذا دليل على أن المناسبات الدينية يجعل لها خصائص، لأن الله جعل مناسبة إنزال القرآن أن نصوم هذه المناسبة كل عام، فهذا دليل على أنه لا بأس باتخاذ الأعياد في المناسبات، ولكن هذا في الحقيقة دليل عليهم وليس لهم، لأن كون الشارع يخص هذه المناسبة بهذا الحكم دليل على أن ما لم يخصه لا يُشرع فيه شيء، إذ لو كان الله يُحب أن يخصَّ بشيء لبيَّنه كما بيَّن هذا، وهذا مما يذكرنا بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن كل مبطل يحتج على باطله بدليل صحيح، فإن دليله يكون عليه لا له " .
الصيام خُص بشهر هلالي ولا اصطلاحي ؟
الطالب : هلالي.
الشيخ : هلالي، وهو شهر رمضان، وسمي رمضان قيل: لأن وقت التسمية كان في شدة الحر والرَّمضاء، فالعرب سموه في ذلك الوقت رمضان واستمر، وقيل: لأنه يحرق الذنوب كالرمضاء تحرق الأقدام، فهو محرق للذنوب.
وقيل: إنه مجرد علم ليس له اشتقاق ، كما نقول: ذئب : للحيوان المعروف بهذا الاسم، لماذا سمي ذئبًا؟
لأنه ذئب، وكذلك نقول في الحيوان المعروف بالأسد: إنه سمي بهذا الاسم، لأنه أسد، وعليه فرمضان سمي رمضان، لأنه رمضان.
والذي يهمنا أن شهر رمضان من أفضل الشهور، ولكن هل هو من الأشهر الحرم؟
لا، لأن الأشهر الحرم أربعة: ثلاثة متوالية وواحد منفرد. ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب منفرد.