وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال :( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ). ذكره البخاري تعليقاً ، ووصله الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان . حفظ
الشيخ : قال: " وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: ( مَن صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) ذكره البخاري تعليقاً ، ووصله الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان " :
قوله رضي الله عنه، أو قبل أن نفسّر الحديث:
هذا الحديث ذكر المؤلف رحمه الله أنّ البخاري رواه معلّقاً ، وأنّ الخمسة وهم: أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه رووه موصولاً.
والبخاريّ إذا علّق الخبر بصيغة الجزم كان عنده صحيحاً، نعم.
ثانيًا: هذا الحديث هل هو من المرفوع أو من الموقوف؟
الطالب : من المرفوع.
الشيخ : هو من المرفوع حُكمًا، وليس من المرفوع الصريح، لأنّ المرفوع صريحا هو الذي ينسب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيقال: قال رسول الله أو فعل رسول الله، أو فُعِل كذا بحضرته وما أشبه ذلك.
وأمّا إذا قال الصّحابي: " فقد عصى " ، أو إذا قال: " رخّص لنا " أو " أمرنا " أو " نهينا " أو ما أشبه ذلك فهو مرفوع حكمًا، يعني : له حكم الرّفع ، ولكن ليس بصريح ، بمعنى أنّه لا يجوز أن نقول : نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وننسب النّهي إليه على سبيل أنّه هو الذي نهى صراحة ، ولكن نقول : إنّ هذا في حكم النّهي ، ذلك لأنّ الصّحابي إذا قال : عصى فمعناه أنّه فهم أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام نهى عن ذلك سواء بصيغة النّهي، أو بصيغة ذكر العقوبة أو ما أشبه ذلك ، ولهذا نحن نتحرّز ما نقول: نهى، إذ يجوز أنّ الرّسول مثلا ذمّ من صام اليوم الذي يشكّ فيه ذمّه ذمّاً، والذّمّ ما يصلح أن نقول إنّه نهى، ويجوز أنّه عليه الصّلاة والسّلام رغّب في تركه مثلاً ترغيباً بالغاً بحيث يفهم من هذا الترغيب النّهي عن فعله وما أشبه ذلك.
طيب أمّا الحديث فيقول: ( من صام اليوم الذي يشكّ فيه ) : فما هو اليوم الذي يشكّ فيه؟
اليوم الذي يشكّ فيه هو الذي لا يُدرى أمن رمضان هو أم من شعبان؟ ما ندري هل من رمضان أو من شعبان؟!
فما هو اليوم الذي يمكن أن يقع فيه الشّكّ، يوم تسعة وعشرين، يوم واحد وثلاثين؟! هاه؟
الطالب : ما فيهما شك.
الشيخ : يوم تسعة وعشرين ما فيه شك.
الطالب : ثلاثين.
الشيخ : واحد وثلاثين ما فيه شكّ، تسعة وعشرين ما فيه شكّ، لأنّه من شعبان، واحد وثلاثين ما فيه شكّ لأنّه من رمضان، بقي عندنا يوم الثّلاثين هو يوم الشّكّ، لكن متى يكون شكّا؟
اختلف العلماء في ذلك:
فمنهم من قال: يكون شكّا إذا كانت السّماء صحواً ولم نر الهلال فهو شكّ لاحتمال أنّه قد هلّ ولم نره.
ومنهم من قال: إنّ يوم الشّكّ هو يوم الثّلاثين وهذا بالاتّفاق كما قلت قبل قليل إنّه يوم الثلاثين، إذا حال دون رؤية الهلال حائل، بأن كان بيننا وبين مطلعه سحب أو قَتَر أو جبال شاهقة ما نستطيع نتسلّقها أو ما أشبه ذلك، أيّهما أقرب؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الأخير هو الأقرب، بل هو المتعيّن، لأنّ الأوّل ما فيه شكّ إذا تراءينا الهلال ولم نره فاحتمال أنّ يكون قد هلّ ولم نره هذا خلاف الأصل، الأصل أنّه ما دمنا ننظر ولم نره فالأحكام الشّرعيّة تجري على الظّواهر، فهو ليس يوم شكّ شرعًا، وإن كان من حيث العقل قد يفرض العقل أنّ الهلال هلّ ولكن لم نره، ولكن من النّاحية الشّرعيّة ليس هو يوم شكّ لأنّ أحكام الشّرع تجرى على الظّواهر.
اطّلعنا في مطلع الهلال ولم نره، وفينا أناس أقوياء في النّظر ولم نره، نقول: إذن ما هلّ فليس عندنا شكّ في هذا، وهذا القول هو الصّحيح.
أمّا القول الثاني: الذين قالوا: إنّ يوم الشّكّ هو الثلاثين من شعبان إذا كانت السّماء صحوا، فقالوا: إذا كانت السّماء غيماً يعني إذا حال دون مطلعه حائل فإنّ الصّوم واجب، كيف واجب؟
قال: نعم واجب احتياطاً حكماً ظنّيّاً لا حكماً يقينيّاً لأنّه ما يمكن نتيقّن أنّه هلّ ونلزم النّاس بذلك، لكن حكم ظنّيّ احتياطيّ، -انتبه-.
إذن ننظر إلى هذا التّعليل: حكم ظنّيّ، هل يجوز أن نلزم النّاس بالأحكام الشّرعيّة بمقتضى الظّنّ ها؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، الظّنّ لا يجوز أن تثبت به الأحكام، لأنّ هذا ظنّ في وجود السّبب، احتياطا؟
هل نقول: هذا احتياط أو أنّ الاحتياط عدم الصّوم؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الواقع أنّ الاحتياط عدم الصّوم هذا هو الاحتياط ، لأنّ الاحتياط كما يكون في الفعل يكون في التّرك فنحن نحتاط لأنفسنا فلا نلزم عباد الله بما لا يلزمهم هذا هو الاحتياط، ولهذا لا تظنّوا أن الاحتياط اتّباع الأشدّ بل الاحتياط اتّباع ما يكون أقرب إلى الشّرع هذا هو الاحتياط، ليس الاحتياط أن تتبع ما هو أشدّ، أن تتبع ما هو أقرب إلى؟
الطالب : الشّرع.
الشيخ : إلى الشّرع، إذن فقد انتقض تعليلهم، وسيأتي إن شاء الله تعالى من السّنّة ما ينقضه أيضا.
فالحاصل أنّ اليوم الذي يشكّ فيه هو يوم الثّلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال حائل: غيم أو قتر أو جبال شاهقة، أي نعم.
وقوله: ( فقد عصى أبا القاسم ) : المعصية مخالفة الأمر، فتارك الواجب عاصٍ، وفاعل المحرّم عاصٍ، أمّا إذا قيل طاعة ومعصية فالطاعة فعل الأمر، والمعصية فعل النّهي.
ولكن إذا أُطلقت المعصية شملت ترك الواجب وفعل المحرّم.
وقوله: ( أبا القاسم ) : هذه كنية الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يسمّى أبا القاسم ، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم قاسم، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّما أنا قاسم والله معطي ) ، والموصوف بالشّيء نعم قد يكنّى به، كما كنّى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عليّ بن أبي طالب بأبي تراب، وكنّى أبا هريرة بأبي هريرة لأنّه كان يحمل هرّة في كمّه رضي الله عنه.
طيب إذن كُنّي بذلك لكونه عليه الصّلاة والسّلام قاسما يقسم بين النّاس على ما أمره الله به، ولهذا قال: ( أنا قاسم والله معطي ) .
ويحتمل أن يكون كنّي بذلك لأنّ له ولدا اسمه؟
الطالب : القاسم.
الشيخ : القاسم ، لأنّ أبناء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة، وبناتِه أربعة، وكلّهم ماتوا في حياته إلاّ واحدة من بناته وهي فاطمة رضي الله عنها.