وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ) . متفق عليه . ولمسلم ( فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ). وللبخاري :( فأكملوا العدة ثلاثين ) . وله في حديث أبي هريرة :( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ). حفظ
الشيخ : " وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ) متفق عليه.
ولمسلم: ( فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ).
وللبخاري: ( فأكملوا العدة ثلاثين ).
وله في حديث أبي هريرة: ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) "
:
انتبهوا لهذا الحديث: قوله: ( إذا رأيتموه ) الهاء تعود على إيش؟
الطالب : الهلال.
الشيخ : على الهلال، وإن لم يسبق له ذكر لكن القرينة أو السّياق يدلّ عليه، فعلى هذا نقول ( إذا رأيتموه ) أي: هلال رمضان بالتّحديد، بدليل قوله؟
الطالب : ( فصوموا ).
الشيخ : ( فصوموا )، ( وإذا رأيتموه فأفطروا ) أي هلال؟
الطالب : شوّال.
الشيخ : شوّال، هلال شوّال ( فأفطروا ) نعم.
وقوله: ( غمّ عليكم ) الغمّ بمعنى: التّطبيق على الشّيء وإخفاء الشّيء، ومنه الغمّ الذي يصيب الإنسان لأنّه يحول بينه وبين صفاء الذّهن والتّفكير، فمعنى غمّ عليكم أي: ستر عليكم بغيم أو قتر أو جبال شاهقة لا تستطيعون صعودها أو ما أشبه ذلك.
وقوله: ( فاقدروا له ) : اختلف العلماء في قوله : ( اقدروا له ) :
فقال بعضهم: إنّه من التّقدير يعني: قدّروا وانظروا منازله فيما سبق من اللّيالي الماضية حتى تقيسوا هذه اللّيلة على ما سبق، وبناء على هذا القول يدخل علينا علم الحساب، الحساب الفلكي وأنّه إذا غمّ علينا الشّهر رجعنا إلى الحساب الفلكي وعملنا به، هذا على القول بأنّه من التّقدير.
وقيل: أنّه من القدر بمعنى التّضييق ومنه قوله تعالى: (( ومن قُدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله )) ، وحينئذ أيّ شيء نجعله ضيّقا هل هو رمضان أو شعبان؟
فيه خلاف، فقال بعضهم: نجعل الضّيّق شعبان، فيكون تسعة وعشرين، ونصوم هذا اليوم الذي هو يوم الشّكّ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وقد نصره الأصحاب، أصحاب الإمام أحمد نصرًا عظيما هذا القول وأبدأوا فيه وأعادوا.
القول الثاني: أنّ التّضييق لا يكون على شعبان، يكون على الشّهر القادم وهو؟
الطالب : رمضان.
الشيخ : رمضان، وإذا ضيّقنا على رمضان معناه ما دخّلناه، ننتظر حتى نكمّل شعبان ونجعل النّقص على رمضان، وهذا القول هو الصّحيح، هذا القول هو الصّحيح من وجهين:
الوجه الأوّل: أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فسّره هو بنفسه، ففي رواية مسلم: ( اقدروا له ثلاثين )، وفي رواية البخاري: ( فأكملوا العدّة ثلاثين )، وفي حديث أبي هريرة: ( فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين )، ولا يشكّ أحد أنّ أعلم النّاس بما يقول القائل هو من؟
الطالب : نفس القائل.
الشيخ : خطأ.
الطالب : الصّحابة.
الشيخ : خطأ.
الطالب : ...
الشيخ : خطأ.
الطالب : القائل نفسه.
الشيخ : هو القائل، لا يشكّ أحد أنّ أعلم النّاس بالقول هو قائله، فإذاكان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام هو الذي فسّره لنا قال: ( فأكملوا العدّة ثلاثين ) هل يبقى بعد ذلك قول لأحد؟
الطالب : لا.
الشيخ : أبدا، ولهذا كان القول الصّحيح أنّ المراد بالقَدْر أي: التّضييق لكن على الشّهر الداخل بحيث نكمّل الشّهر الأوّل السّابق كم؟ ثلاثين، نكمّله ثلاثين.
طيب أمّا ابن عمر رضي الله عنه راوي الحديث فكان يبعث من يرى الهلال في ليلة الثّلاثين من شعبان إذا كان هناك غيم أو قتر، فإن لم يُر أصبح صائما رضي الله عنه، ولكن هذا من فعله وروايته مقدّمة على رأيه، " رواية الرّاوي مقدّمة على رأيه " ، فيقال: هذا اجتهاد منه وهو رضي الله عنه معروف بأنّه يميل إلى التّشديد أكثر ممّا يميل إلى التّسهيل، ولهذا يقال أنّ هارون الرّشيد لما طلب من مالك أن يؤلّف الموطّأ وش قال له؟
قال: " تجنّب رخص ابن عبّاس، وتشديد ابن عمر ".
الطالب : وشواذّ ابن مسعود.
الشيخ : نعم؟
الطالب : وشواذّ ابن مسعود.
الشيخ : ما أدري عن الثّالثة هذه.
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟
الطالب : صحيحة ؟
الشيخ : والله ما أدري عن هذه، ومعروف ابن عمر رضي الله عنه بالتّشدّد حتى كان يغسل في الوضوء داخل عينيه ويقال: إنّه كفّ في آخر عمره من أجل هذا، فالله أعلم، على كلّ حال هو رضي الله عنه من أشدّ النّاس حرصا على العبادة، وكان يلزم نفسه بأشدّ الأمرين عنده فلهذا كان يصوم إذا كان هناك غيم أو قتر، نستمرّ الآن ما أحد عنده سؤال؟
الطالب : الوجه الثاني.
الشيخ : نعم؟
الطالب : الوجه الثاني من الترجيحات.
الشيخ : نعم، الوجه الثاني من التّرجيح أنّ حديث عمّار بن ياسر رضي الله عنه صريح في أنّه إذا كان غيم أو قتر فإنّ صومه؟
الطالب : حرام.
الشيخ : لا يجوز، حرام، ( من صام اليوم الذي يشكّ فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم )، وهذه المسألة فيها في مذهب الإمام أحمد سبعة أقوال، الأحكام الخمسة هذه خمسة أقوال، والقول السّادس: أنّ النّاس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا.
والقول السّابع: أن يعمل بعادة غالبة، لأنّ الغالب أنّه إذا مضى شهران كاملان فالثالث ناقص، فينظر هل رجب وجمادى الثانية كاملان فيكون شعبان ناقصًا أي نعم، ولكن السّنّة والحمد لله واضحة في هذا، السّنّة في هذا واضحة كما سيأتي إن شاء الله.
أوّلًا: في هذا الحديث يأمر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمّته إذا رأوا الهلال أن يصوموا إذا كان هلال رمضان وأن يفطروا إذا كان هلال شوّال، ويأمرهم أيضا إذا لم يتمكّنوا من رؤيته أن يكملوا العدّة ثلاثين، عدّة الشّهر السّابق سواء كان رمضان أو شعبان، لأجل أن يكونوا على بيّنة من الأمر حتى لا يقعوا في شكّ وحيرة، فالأمر والحمد لله واضح، إذا رأيت فصم وإذا غمّ عليك فلا تصم أكمل عدّة الشّهر ثلاثين.
في شوّال إذا رأيته فأفطر وإذا غمّ عليك فأكمل العدّة ثلاثين، فالأمر والحمد لله واضح حتى لا يقع النّاس في قلق وشكّ وحيرة.
ثمّ نرجع إلى معنى قوله: ( اقدروا له ) نعم الأخ؟
يقولون: إنّه من التّضييق في شعبان ومن التكميل في رمضان، إذا غمّ هلال شوّال يجب التّكميل، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان تناقض هذا القول، والصّحيح المتعيّن.