فوائد حديث ( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي ...) . حفظ
الشيخ : فيدلّ هذا على أنّ ترائي الهلال في اللّيلة التي يُتحرّى فيها من عمل الصّحابة الذي أقرّهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه فيكون من السّنّة، أي السّنن؟
الإقراريّة، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أقرّه.
ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنّه لا يُعمل إلاّ برؤية من يوثق بنظره، بل من يوثق بقوله، لكونه أمينًا بصيرًا، فلو جاء الأعمى إلى القاضي وقال: إنّي رأيت الهلال وهو ثقة مأمون عند النّاس، وش نقول؟
الطالب : في المنام.
الشيخ : نعم، نقول هذا في الرّؤيا يمكن! أمّا في اليقظة فلا يمكن تراه وهذا ممّا يخلّ بأمانته.
طيب جاءنا رجل ليس بأعمى لكن ضعيف البصر وقال: إنّي رأيت الهلال، رأيت الهلال يقينا؟ قال: يقينا، أين اتّجاهه؟ قال اتّجاهه إلى الجنوب الشّرقي، نعم، اتّجاه القوس يعني، صحيح هذا، المنزلة صحيحة، لأنّ القمر حسب المنازل أحيانًا يكون اتّجاهه إلى الجنوب وأحيانا يكون إلى الشّرق المحض وأحيانا إلى الشّرق الجنوبي، لكنّه ضعيف البصر هل نأخذ بقوله؟
الطالب : لا.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، وإن كان ثقة، نعم، لأنّه ضعيف البصر، ولهذا ذكر العلماء أنّ رجلا كبير السّنّ كان مع النّاس الذين يتراءون الهلال وأبصارهم حديدة قويّة، هم قالوا: لم نره، وهو أصرّ على أنّه رآه، وجاؤوا عند القاضي، والقاضي ردده، قال: لا، أشهد أنّي رأيته، فقال أذهب معك تريني إيّاه؟ قال: نعم، ذهبوا وقال انظر إليه، انظر إليه، القاضي نظر فلم ير شيئا! وكان القاضي ذكيّاً فمسح على حاجب عينه، ثمّ قال: انظر، قال: والله الآن ما أرى شيئا!
الطالب : ههههه.
الشيخ : ليش؟ شعرة بيضة لكن ما تحقق، يحسب أنّها هلال! متقوّسة كالهلال فشهد أنّه رأى الهلال، لكن متى يأتينا قاضي مثل هذا القاضي الذّكيّ.
إنّما على كلّ حال أقول: لا بدّ أن يكون الرّائي ممّن يوثق بقوله لأمانته في النّقل، ولكون بصره حديداً يمكن أن يرى الهلال.
طيب ويستفاد من هذا الحديث أيضا: أنه لا تشترط الشّهادة في الإعلام بدخول الشّهر لقوله: ( أخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته فصام وأمر النّاس بالصّيام )، فلو قال للقاضي إنّي رأيت الهلال ولم يقل: أشهد نعم؟
الطالب : تقبل.
الشيخ : وجب الحكم بشهادته أو وجب الحكم بخبره.
وهل هذا خاصّ برؤية هلال رمضان أو عامّ في كلّ الشّهادات؟
يعني هل يشترط في الشّهادة سواء في المال أو في غير المال أن يقول الشّاهد: أشهد أو لا يشترط بل يكفي أن يقول: إنّي أقول كذا أو أخبر بكذا؟
الصّحيح أنّه لا تشترط الشّهادة، إلاّ ما دلّ الدّليل على اشتراطها، كقوله: (( فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين ))، وإلاّ فإنّ الخبر يكفي عن الشّهادة، ولهذا قيل للإمام أحمد رحمه الله: " إنّ فلانا يقول: أقول العشرة في الجنّة ولا أشهد، فقال الإمام أحمد: إذا قال إنّهم في الجنّة فقد شهد "، وهذا هو الحقّ أنّ الشّهادة لا يعتبر فيها لفظ أشهد، بل إذا أخبر خبرًا جازما به فإنّه يعتبر شاهدا، ويدلّ عليه هذا الحديث.
طيب وأمّا الحديث الثاني ففيه دليل على أنّه يشترط في الشّاهد أن يكون مسلما، لقوله؟
الطالب : ( أتشهد أن لا إله إلاّ الله؟ ).
الشيخ : ( أتشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله؟ )، ثمّ قال: ( فأذّن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً )، وهذا واضح على أنّ الحكم بني على ما سبق من كون الرّجل يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله.
طيب هل يدلّ الحديث على أنّه يكفي أن يكون مسلمًا وإن لم يكن عدلا؟
الطالب : لا يكفي.
الشيخ : قد يقال: لا يدلّ، وقد يقال: يدلّ،
أمّا قد يقال: أنّه يدلّ فلأنّ هذا الرّجل لم يبد لنا منه إلاّ أنّه شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله فقط، وهذا لا يحصل به إلاّ الإسلام فقط، وأمّا كونه لا يمنع اشتراط العدالة فلأنّ الصّحابة كلّهم عدول، فإذا ثبت إسلام الصّحابيّ ثبتت عدالته، ويأتي إن شاء الله بقيّة الكلام عليه، نعم.