تتمة فوائد حديث ( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي ...) . حفظ
الشيخ : قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إذا رأيتموه فصوموا، فإن غم عليكم فاقدروا له ) .
قال: وعن ابن عبّاس، وعن ابن عمر، فيه فوائد الأوّل، حديث ابن عمر الثاني الذي قبل حديث ابن عبّاس فيه فوائد:
الأوّل أنّ من السّنّة ترائي النّاس الهلال، طيب الدّليل؟
الطالب : ( تراءى النّاس ).
الشيخ : قول ابن عمر: ( تراءى النّاس الهلال فأخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته ) .
ومن أيّ أنواع السّنّة هذه؟
الطالب : الإقرارية.
الشيخ : الإقراريّة.
طيب هل من السّنّة أن يؤمر النّاس بترائي الهلال، ويقال لهم: تراءوا الهلال اللّيلة الفلانيّة فمن رآه منكم فليشهد به عند القاضي؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : نعم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، لو قال قائل: أين الدّليل؟
الطالب : ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب.
الشيخ : ما هو واجب، يعني لو قال قائل: إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم يأمر أصحابه بذلك، ما قال: تراءوا الهلال، لكن النّاس بطبيعة الحال وبالفطرة وبالعادة يتراءونه ، فالظاهر والله أعلم أن يقال في الجواب عن ذلك: إنّنا نأمرهم لنذكّرهم بالسّنّة، نعم ولهذا الأفضل أن لا يقال: تراءوا الهلال، وإنّما يقال: كان الصّحابة يتراءون الهلال، فمن أراد منكم أن يتراآه فليتراءاه في اللّيلة الفلانيّة هذا أقرب لإصابة السّنّة.
من فوائد الحديث أيضا: وجوب العمل برؤية الشّاهد الواحد مع الجماعة، من أين يؤخذ؟
من أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّاس بالصّيام، لأنّه صام وأمر النّاس بالصّيام، وهذا هو القول الرّاجح من أقوال أهل العلم، والمسألة فيها ثلاثة أقوال:
هذا القول، والقول الثاني: أنّه لا بدّ من شاهدين اثنين أو شاهد مبرّز في العدالة، بحيث تقوم شهادته مقام شهادة اثنين عند القاضي.
والقول الثالث: إن كانت السّماء غيما قبلت شهادة الواحد، وإن كانت صحوا لم تقبل.
الطالب : العكس.
الشيخ : إن كانت السّماء غيما قبلت شهادة الواحد وإن صحوا لم تقبل.
الطالب : صحيح نعم.
الشيخ : هذا مذهب، أنتم الآن تقولون العقل يقتضي العكس؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لكنّهم هم يقولون: لا، مذهب أبي حنيفة على أنّهم من أهل الرّأي يقولون: إن كانت السّماء غيما قبلت شهادة الواحد وإن كانت صحوا لم تقبل ليش؟
دقيقة يا أخي، يقولون: لأنّه إذا كانت السّماء صحوا ولم يره النّاس دلّ على كذبه، وإذا النّاس ما رأوه، عرفتم؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : فتكون شهادة هذا الواحد مخالفة لشهادة الآخرين فلا تقبل، أمّا إذا كانت السّماء غيما فيمكن أن يره من دون النّاس لقوّة بصره مثلا، نعم، أو لكونه مثلا دقيق الملاحظة بحيث انفتح الغيم لمدّة وجيزة ورآه أو ما أشبه ذلك، فلهذا يفرّق هؤلاء بين أن تكون السّماء صَحوا وأن تكون غيماً أفهمتم الآن وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، ولا شكّ أن مقتضى العقل أن يكون الأمر بالعكس، فيقال: إذا كانت السّماء صحوا فإنّه يمكن أن يره ولا يراه الآخرون، حتى إن كانت السّماء صحوا فالنّاس يختلفون في قوّة النّظر، نعم بخلاف ما إذا كانت غيما فإنّه يبعد أن يره، كيف يراه من بين النّاس؟
على كلّ حال هذا قول ذكرناه لأجل إتمام سياق الأقوال، والصّحيح أنّه يعمل بشهادة الواحد ولو كان معه جماعة لهذا الحديث.
ومن فوائد الحديث: أنّه ينبغي للإنسان أن يتقدّم بالحقّ ولو كان من أصغر النّاس، لأنّ ابن عمر رضي الله عنه كان صغير السّنّ، ومع ذلك تقدّم وقال إنّي رأيت الهلال فصام النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وأمر بصيامه.
ولهذا لمّا وقع في قلبه حلّ اللّغز الذي ألغز به النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام هاب أن يتكلّم به لأنّه كان أصغر القوم، لكنّ أباه عمر تمنّى أن يكون تكلّم به، واللّغز الذي أورده الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على الصّحابة: ( أنّ من الشّجر شجرة مثلها مثل المؤمن ، فذهب النّاس يتكلّمون في شجر البوادي هي كذا، هي كذا، هي كذا ) ، ولم يعرفوها ، ( فوقع في نفس ابن عمر أنّها النّخلة لكنّه لم يتكلّم لصغر سنّه، ثمّ قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام هي النّخلة ) .
وفيه أيضًا أنّ الحاكم هو الذي يوجّه الأمر إلى النّاس بالصّيام لقوله: ( صام وأمر النّاس بصيامه )، وهو كذلك، فإنّ هذه الأمور ترجع إلى الحكّام وليست راجعة إلى عامّة النّاس من شاء صام ومن شاء أفطر بشهادة غيره، ولكنّها راجعة إلى الحاكم الشّرعي.
وفيه أيضا ما أشار إليه الأخ غانم: أنّ من كان معلوم العدالة فإنّه لا يناقش ولا يحقّق معه، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما أخبره ابن عمر أنّه رآه صام وأمر النّاس بالصّيام بخلاف الحديث الثاني.
طيب ويستفاد منه أيضا: أنّه لا تشترط الشّهادة في رؤية الهلال يعني لا يشترط أن يقول أشهد لأنّه قال: ( فأخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته ).
وقد يقال: بل فيه دليل على أنّ الخبر شهادة لقوله تعالى: (( فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ))، وجعل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ابن عمر بإخباره شاهدًا، وقد مرّ علينا أنّ الإمام أحمد لما قيل له: إنّ يحيى بن معين يقول: أقول العشرة في الجنّة أو علي بن المديني نسيت ولكنّي لا أشهد، قال إذا قال؟
الطالب : فقد شهد.
الشيخ : فقد شهد، نعم.