تتمة شرح الحديث (من لم يبيت الصيام قبل الفجر... ). حفظ
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم:
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
قال -رحمه الله تعالى-: " وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ). رواه الخمسة، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان.
وللدارقطني: ( لا صيام لمن لم يفرضه مِن الليل ) "
:
قوله في الحديث: ( من لم يبيّت الصّيام قبل الفجر ) سبق لنا أنّ البيات هو نوم اللّيل، وهنا بيّن أنّه من الغروب إلى الفجر، لأنّه قال: ( من لم يبيّت الصّيام قبل الفجر ) والمراد بالفجر هنا الفجر الصّادق، لأنّ الفجر فجران: فجر كاذب، وفجر صادق، والذي تترتّب عليه أحكام الصّيام وأحكام الصّلاة هو الفجر الصّادق، وبينه وبين الفجر الكاذب حوالي ساعة أو ساعة وربع أو أقلّ من السّاعة حسب اختلاف الفصول، أمّا الفروق بينه وبين الفجر الصّادق فذكر العلماء أنّ بينهما ثلاثة فروق:
الفرق الأوّل: أنّ الفجر الصّادق يكون ممتدّا من الجنوب إلى الشّمال عرضا، والفجر الكاذب يكون طولا من الشّرق إلى الغرب.
والفرق الثاني: أنّ الفجر الصّادق يكون فيه الضّياء متّصلا بالأفق، وأمّا الفجر الكاذب فالضّياء منقطع أي: بينه وبين الأفق ظلمة لا يتّصل الضّياء بالأفق. والفرق الثالث: أنّ الفجر الكاذب يظلم بعد ذلك وينمحي، والفجر الصّادق لا يظلم بل يزداد نورا نعم هذه ثلاثة فروق بين الفجر الصّادق والفجر الكاذب.
والفجر الصّادق هو الذي تترتّب عليه الأحكام.
وقوله: ( من لم يبيّت الصّيام ) ظاهره العموم، صيام الفرض وصيام النّفل، وقوله: ( فلا صيام له ) أي: لا صيام تامّ أو لا صيام صحيح؟
الطالب : صحيح.
الشيخ : قلنا: إنّه يجب أن يحمل النّفي أوّلا على نفي الوجود، فإن لم يمكن فعلى نفي الصّحّة ونفي الصّحّة كما تعلمون نفي للوجود الشّرعي في الواقع، فإن لم يمكن بأن دلّت الأدلّة على أنّ هذا صحيح فيحمل على نفي؟
الطالب : الكمال.
الشيخ : الكمال، هنا يجب أن يحمل على نفي الصّحّة ، لأنّه ليس هناك ما يدلّ على أنّ الرّجل إذا صام في أثناء النّهار صحّ صومه فيحمل حينئذ على نفي الصّحّة أي: فلا صيام صحيح له.
ووجه ذلك أنّ الصّوم لا بدّ يشتمل على جميع النّهار، ومن لم ينو إلاّ بعد طلوع الفجر ولو بجزء يسير فقد مضى جزء من يومه لم ينوه ولم يصمه وحينئذ لا يصحّ، وعليه فيكون هذا الحديث -وإن كان فيه خلاف في رفعه ووقفه- فإنّ النّظر يقتضيه لأنّ الله يقول: (( كلوا واشربوا حتي يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام )) من أين؟
الطالب : (( إلى اللّيل )).
الشيخ : هاه؟ من أين، من أين؟
الطالب : من الفجر
الشيخ : من الفجر إلى اللّيل، وعلى هذا من لم ينو قبل الفجر ولو بلحظة فإنّه لم يتمّ صومه لأنّه مضى عليه جزء من النّهار لم يصمه، واضح؟
وقول المؤلف: " ومال التّرمذيّ والنّسائيّ إلى ترجيح وقفه، وصحّحه مرفوعا ابن خزيمة وابن حبّان " :
معناه أنّه تعارض هنا الحكم عليه بالوقف وبالرّفع، وقد مرّ علينا عدّة مرّات أنّه إذا تعارض الرّفع والوقف وكان الرّافع ثقة حكم بالرّفع، لوجهين:
الوجه الأوّل: أنّ الرّفع زيادة، والزّيادة من الثّقة مقبولة.
الوجه الثاني: أنّه لا منافاة بين الرّفع والوقف، فإنّ الرّاوي أحيانا يسوق الحديث إلى منتهاه وأحيانا يقوله من عنده، يحدّث به، فالصّحابي مثلا قد يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذا ويتكلّم في الحديث، وقد يقول الحديث من نفسه مبيّنا للحكم فقط لا راويا، وعلى الاحتمال الأخير يكون حاكما لا راويا ، أنا مثلا عندما أسوق حديث عمر : ( إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ) ، وأقول : قال البخاري حدّثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطّاب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( إنّما الأعمال بالنّيّات ) ، فإنّني في هذه الحال أكون راويا ، ولكن عندما أقول: إنّما الأعمال وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فإنّي أكون حينئذ؟
الطالب : حاكيا.
الشيخ : حاكما، لا أريد الرّواية، فهكذا الصّحابي إذا روى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حديثا فإنّه يكون راويا وأحيانا يقوله من عند نفسه حاكما به لا راويا له.
هذا إذا كان الرّاوي ثقة، أمّا إذا كان الرّاوي غير ثقة أي: الرّافع فإنّنا لا نقبل الرّفع حينئذ لا لأنّه عورض بالوقف، ولكن لضعف الرّاوي.
والخلاصة أنّه لا منافاة بين كون الرّاوي يحدّث بالحديث مرّة مرفوعا أو يقوله ناسبا إيّاه إلى نفسه على سبيل الوقف، لأنّنا نقول على الوجه الأوّل يكون راويا وعلى الوجه الثاني يكون حاكما.
طيب: " وللدّارقطني : ( لا صيام لمن لم يفرضه مِن الليل ) " .
اقرأ يا طلال؟
القارئ : " وللدارقطني ( لا صيام لمن لم يفرضه مِن الليل ) " .
الشيخ : ( لا صيام لمن لم يفرضه من اللّيل ) : إشارة إلى أنّ المراد بذلك الصّيام الواجب هو الذي يفرض ، أمّا التّطوّع فإنّه لو ابتدأه الإنسان فله أن يفطر كما سيأتي.