وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا ، قال : فإني صائم . ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : أهدي لنا حيس فقال : أرينيه ، فلقد أصبحت صائماً فأكل ). رواه مسلم . حفظ
الشيخ : " وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم ) " : قال: ( هل عندكم شيء؟ ) : كلمة هل أداة استفهام ، والجملة بعدها مكوّنة من مبتدأ وخبر، والمبتدأ هنا فيها كلمة : شيء، وشيء نكرة من أنكر النّكرات، فكيف صحّ أن يُبتدأ بالنّكرة؟
الطالب : لتقدم الخبر.
الشيخ : أوّلا: لتقدّم الخبر، والثاني: لتقدّم؟
الطالب : الاستفهام.
الشيخ : الاستفهام نعم.
طيب وقوله: ( شيء ) : هذا عامّ أريد به الخاصّ ، والمراد به شيء يؤكل بدليل قوله: ( قلنا: لا ، قال: فإنّي إذن صائم ) .
وقوله: ( فإنّي إذن ) إذن: ظرف للزّمن الحاضر، وهناك إذن وإذا وإذ، هذه الأدوات الثّلاث تقاسمت الزّمان:
فإذ لما مضى، وإذا للمستقبل، وإذن للحاضر.
إذن فقوله: ( إنّي إذن ) أي من الآن صائم، والصّيام كما سبق في اللّغة الإمساك، وفي الشّرع التّعبّد لله تعالى بالإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس.
وإذا جاء اللّفظ في لسان الشّارع وله معنى لغويّ ومعنى شرعيّ وجب حمله على الحقيقة الشّرعيّة، على المعنى الشّرعي.
وإذا جاء اللّفظ في كلام أهل اللّغة وله معنيان: شرعيّ ولغويّ حمل على المعنى اللّغوي.
وإذا جاء الكلام وله معنيان: لغويّ فصيح وعرفيّ وشرعيّ وتكلّم به إنسان باللّسان العرفيّ، فإنّه يحمل على العرف، يعني إذن كلّ كلام يحمل على ما تعارفه المتكلّم به.
إذن لا يصحّ أن نحمل قوله: ( صائم ) على الصّيام اللّغوي أي: فإنّي إذن ممسك عن الأكل بل نقول: إنّه هذا صيام شرعي لأنّ هذا معناه في اللّسان الشّرعي.
( ثمّ أتانا يوما آخر، فقلنا: أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائماً فأكل ) :
قولها : ( أتانا يوما آخر ) : يعني غير اليوم الأوّل.
( فقلنا: أهدي لنا حيس ) : الحيس هو: تمر يخلط بشيء من الأقط والسّمن ويؤكل، الأقط معروف؟
الطالب : نعم.
الشيخ : والسّمن معروف، يخلط فيؤكل، موجود إلى الآن في عرفنا لكنّه في عرفنا يخلط بشيء من الدّقيق بدلا عن الأقط، ولعلّ البادية يخلطونه بالأقط، إنّما الحاضرة عندنا يخلطونه بالدّقيق ويسمّى عندنا؟
الطالب : حيس.
الشيخ : لا.
الطالب : قشد.
الشيخ : يسمّى قشد، أي: والظاهر أنّها قشدة أصلها، قاف شين دال، طيب. فقال: ( أرينيه ) هنا إشكال من النّاحية النّحويّة: أرينيه ليش جاءت الياء وهذا فعل أمر، وفعل الأمر يحذف منه حرف العلّة؟
الطالب : يعني كان يصحّ أن يقول: في هذا أريني إيّاه ؟
الشيخ : لا لا، مو قصدي اتّصال الضّمير وانفصاله.
الطالب : لا لا ، أقول الياء.
الشيخ : وش الذي جابها؟
الطالب : اتّصال الهاء بالفعل؟
الشيخ : بالفعل.
الطالب : نعم.
الشيخ : يعني بقيت لأنّ الفعل متّصل بضمير.
الطالب : نعم.
الشيخ : أي، نعم، خطأ!
الطالب : هههه.
طالب آخر : هذا يا شيخ مفعولي أرى.
الشيخ : كيف؟ الياء هذه وش الي جابها؟
من الأفعال الخمسة والياء فاعل .
الطالب : الياء فاعل ؟
الشيخ : ما فيه، أرينيه: فيه في الحقيقة ثلاثة مفاعيل.
الطالب : أي نعم.
الشيخ : فيه مفعولان، وفاعل، الياء الأولى فاعل، والياء الثانية مفعول أوّل، والهاء مفعول ثانٍ.
الطالب : أين المفعول الثالث ؟
الشيخ : ما فيه مفعول ثالث.
الطالب : أرى تتعدى لثلاث ؟
الشيخ : لا، في هذا ما تعدّت إلى ثلاثة مفاعيل، فعندنا أرينيه : أري تخاطب، والياء يعود إليها أري.
الطالب : لا.
الشيخ : يعود إليها، الياء الأولى تعود إلى المخاطبة، إذن فهي فاعل، والنّون للوقاية، والياء الثانية مفعول أوّل، والهاء مفعول ثانٍ كذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب وهنا الإراءة بصريّة وهي تنصب مفعولا واحدا وبالهمزة تنصب؟
الطالب : مفعولين.
الشيخ : مفعولين.
الطالب : إعراب البناء هنا ؟
الشيخ : ما فيه بناء، أي نعم، علامة البناء حذف النّون والياء فاعل.
الطالب : هذه النون؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : أقول حذفت الألف أرى!
الشيخ : أي حذفت لأنّها التقت بالياء الساكنة.
الطالب : ...
الشيخ : أرينيه : أري : فعل أمر مبني على حذف النّون والياء فاعل، والنّون للوقاية، والياء مفعول أوّل، والهاء مفعول؟
الطالب : ثاني.
الشيخ : ثاني، كذا وإلاّ لا؟ طيب.
نقول: أرينيه يعني رؤية عين.
( فلقد أصبحت صائما ) صائما لغة وإلاّ صائما شرعا؟
الطالب : شرعا.
الشيخ : شرعا ، لأنّها جاءت بلسان الشّارع فوجب أن تحمل على المفهوم الشّرعي.
( فأكل ) : من هذا الحيس، في هذا الموضع الشّارح رحمه الله يميل، أو نقوله بعد الشّرح.
في هذا الحديث تذكر عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام دخل على أهله وسألهم هل عندهم شيء، يريد أن يأكل، فلمّا لم يجد عندهم شيئا قال: إذن أصوم، ما دام أنّه لا يوجد أكل ولست بآكل فلأصم حتى يكون صيامي قربة إلى الله عزّ وجلّ ففعل عليه الصّلاة والسّلام، وأنشأ الصّيام من حيث قالت له: إنّه ليس عنده شيء، من ذلك الوقت.
أمّا المرّة الثانية فإنّه جاء إلى البيت عليه الصّلاة والسّلام، وأخبروه بأنّه أُهدي إليه الحيس فطلبه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وأكل منه مع أنّه أَخبر بأنّه كان صائماً، هذا معنى الحديث.