فوائد حديث ( قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ). حفظ
الشيخ : فيستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:
منها: إثبات المحبّة لله عزّ وجلّ لقوله: ( أحبّ عبادي إليّ )، وأنّ محبّة الله تتفاوت، من أين يؤخذ؟
الطالب : من اسم التّفضيل.
الشيخ : من اسم التّفضيل: ( أحبّ ) ، فالله تعالى يحبّ هذا العمل أكثر من العمل الآخر، وهذا العامل أكثر من محبّة العامل الآخر، واضح؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب وفي هذا الحديث ردّ على أهل التّعطيل الذين نفوا إثبات المحبّة لله ، والنّاس فيها طرفان ووسط:
طرف يقول: إنّ الله تعالى لا يُحِبّ ولا يُحَبّ.
وطرف يقول: إنّ اللّه يُحَبّ ولا يُحِبّ.
وطرف يقول: إنّ الله يُحِبّ ويُحَبّ وهذا الأخير هو قول السّلف، وهو الصّحيح.
وهنا لم يكن خير الأقوال الوسط، لأنّ الوسط مذهب الأشاعرة ومن ذهب مذهبهم يقولون: إنّ الله يُحَبّ ولا يُحِبّ، لماذا؟
يقولون: لإنّ المحبّة ميل الإنسان إلى ما ينفعه أو يدفع الضّرر عنه، وهذا لا يليق بالله عزّ وجلّ، ولكن قولهم هذا قياس فاسد في مقابلة النّصّ أيضا، فهو فاسد في ذاته وفاسد لمصادمته النّصّ.
أمّا قولهم أنّ الإنسان لا يحبّ إلاّ ما يلائمه ممّا يدفع عنه الضّرر أو يجلب له النّفع فهذا ليس بصحيح، فإنّ الإنسان قد يحبّ بعض المواشي وبعض السّيّارات، تجده يحبّ سيّارته هذه أحبّ من الثّانية، يحبّ قلمه هذا أكثر من الثّاني، يحبّ كتابه هذا أكثر من الثاني نعم بدون أن يكون هناك ملائمة، لا ملائمة بين الإنسان وبين الجماد.
ثانياً نقول: هذه المحبّة التي قلتم هي محبّة من؟
الطالب : المخلوق.
الشيخ : المخلوق، أمّا الله عزّ وجلّ فمحبّته ثابتة بدون أن يكون محتاجا إلى من ينفعه أو يدفع الضّرر عنه، أو يلائمه لأنّه من شكله أو لا يلائمه.
طيب ومن فوائد الحديث أيضا -الحديث القدسي هذا-: أنّ النّاس يتفاضلون في محبّة الله لهم لقوله: ( أحبّ عبادي إليّ )، وما هي القاعدة العامّة في فضل الإنسان غيره في محبّة الله؟
الطالب : التّقوى.
الشيخ : غير؟
الطالب : الاتّباع.
الشيخ : الاتّباع نعم، أتبعهم لرسوله نعم صحّ، القاعدة العامّة اتّباع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، فكلّ من كان أتبع لرسول الله فهو أحبّ إلى الله، الدّليل: (( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ))، والحكم إذا علّق بوصف ازداد قوّة بقوّة ذلك الوصف.
ومن فوائد الحديث: استحباب المبادرة بالفطر، لقوله: ( أعجلهم فطرا ).
طيّب إذا قُدّر أنّها غابت الشّمس وأنت ليس عندك ما تفطر به فماذا تصنع؟
الطالب : تنوي الفطر.
الشيخ : تنوي بقلبك؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم تنوي بقلبك، وقال بعض العامّة: تمصّ أصبعك.
الطالب : لتقيء.
الشيخ : لا لا، يمصّ أصبعه بدون هذا، وقال بعضهم: لا، أدخل طرف الغترة في فمك ثمّ بلّه بالرّيق ثمّ أخرجه ثمّ ردّه ومصّه، عمليّة! ليش؟
لأنّه إذا انفصل الرّيق ثمّ عاد صار مفطّرا، نعم، قالوا: ودليل ذلك أنّ الفقهاء يقولون: لو أنّك تسوّكت بالمسواك ثمّ أخرجته وفيه ريق ثمّ أعدته إلى فمك نعم ومصصته وبلعته فإنّك تفطر لأنّ الرّيق لمّا انفصل صار له حكم الأجنبيّ، نعم فبناء على ذلك يقول: دخّل غترك في فمك وخلّيها تترطّب من الرّيق ثمّ أخرجها، ثمّ أعدها وامصصها، هؤلاء أفقه من الأوّلين، أمّا الأوّلون فلا حظّ لهم في ذلك لأنّ الأصبع وش فيه؟ ما فيه شيء.
الطالب : أفقه في ماذا ؟
الشيخ : إي لكن الكلام على الموافقة للفقه.
طيب القول الثاني يكفي النّيّة، القول الثاني: إذا لم تجد شيئا فلا تتكلّف تكفي النّيّة.
الطالب : ...
الشيخ : لا، هذه مسألة ثانية هذه، هل قوله : ( فقد أفطر الصائم ) حلّ له الفطر أو أفطر حكما؟
والصّحيح حلّ له الفطر وإلاّ لم يكن للوصال فائدة، طيب على كلّ حال هذه مسألة الثانية نبحثها فيما بعد.
طيب لو أنّه أذّن وأنت تتوضّأ؟
الطالب : على حسب
الشيخ : طيب نشوف، هل تشرب، عندك التّمر، هل تشرب أو تطلب من يأتي لك بتمرا؟
الطالب : تشرب.
الشيخ : الظّاهر أنّه إذا كان قريبا أنّ التّمر أفضل، لأنّ عين التّمر كما سيأتينا أفضل من الماء.
نظيره إذا لم تثبت رؤية الهلال إلاّ بأثناء النّهار.
الطالب : ...
الشيخ : ذكرنا نحن ذلك، ذكرنا أنّه يشترط لصحّة الصّوم بنيّة من أثناء النّهار أن لا يفعل مفطّرا في أوّل النّهار.
الطالب : شيخ لو أفطر؟
الشيخ : وجود المفطّر مانع، وجود المفطّر مانع لأنّه يقول: (( وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتموّا الصّيام إلى اللّيل )).
يؤخذ من الحديث إثبات صفة الكلام لله عزّ وجلّ، وهذه مسألة مهمّة وسيأتينا إن شاء الله في التّوحيد، نعم يا إبراهيم؟
الطالب : والراجح ؟
الشيخ : أي نعم أمّا الفقهاء يقولون يفطر، وأنا والله في شكّ من هذا، لأنّه لا يقال: أنّ هذا الرّجل أكل أو شرب، وأيّ فرق بين الرّيق إذا أنّك جمّعته في فمك وبلعته أو وضعته في المسواك ثمّ ردّيته؟
ما تجد فرقا بيّنا، وعلى كلّ حال الإنسان يجب أن يحتاط في هذه الأمور، وإذا أخذت المسواك وفيه بلل فهو إمّا أن يعصره قبل أن يدخّله مرّة ثانية ، وإلاّ إذا دخّله لا يمصّه.
الطالب : أحب عبادي الصائمين مطلقا ؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : هو أطلق.
الشيخ : لا لأنّه قال: ( أعجلهم فطرا ).
الطالب : هل هذا دليل إذا كان عليه ذنوب، هذا العاصي عليه ذنوب لكن يستعجل في الفطر هل يكون أحبّ العباد إلى الله؟
الشيخ : إي، أحبّ الصّائمين، ولهذا قيّدناها بالصّائمين، يعني ما يلزم أنه أحب العباد الآخرين الذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون لا، أحبّ الصّائمين، وأيضًا لاحظوا أنّه أحبّهم في هذا الفطر، قد يكون هذا الصّائم مسرف على نفسه في صيامه، والثاني أتقى منه لله في صيامه فيكون أفضل.
" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( تسحّروا فإنّ في السَّحور بركة ) متّفق عليه " :
فإنّ في السَّحور أو في السُّحور؟
الطالب : في السَّحور.
الشيخ : يحتمل، يحتمل أنّه السَّحور أي: ما يتسحّر به، أو السُّحور الذي هو الأكل في آخر اللّيل.
قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( تسحّروا ) أي: كلوا السُّحور وهو الأكل في السّحر أي: في آخر اللّيل، والخطاب هنا موجّه للصّائمين لأنّهم هم الذين يتسحّرون أمّا غيرهم فإنّهم لا يتسحّرون بل يتغدّون ويتعشّون .
وقوله: ( فإنّ في السَّحور بركة ) : هذا تعليل للأمر وهو بيان أنّ في السّحور بركة.
والبركة : " كثرة الخير ودوامه، ومنه البِركة مجتمع الماء، لأنّ الماء فيها ثابت قارّ ولأنّه يكون كثيرا " ، فالبرَكَة هي كثرة الخير وثباته وقراره.
وقوله: ( فإنّ في السّحور بركةً ) بالنّصب على أنّها اسم إنّ مؤخّرا.
طيب من بركات السّحور:
أوّلاً: امتثال أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقوله: ( تسحّروا )، وكلّ شيء تمتثل به أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل أمر الله ورسوله فإنه بركة وخير، ولهذا جرّب نفسك عندما تفعل العبادة وأنت تستحضر أنّك تفعلها امتثالا لأمر الله تجد فيها من اللّذة والانشراح والطّمأنينة والعاقبة الحسنة ما لا يوجد فيما إذا فعلتها على أنّها مجرّد شيء واجب، عرفتم؟
وجرّبوا هذا وأرجو أن يكون منّا على بالٍ دائماً : أنّنا نفعل العبادة على أنّ ذلك امتثالا لأمر الله ورسوله حتى نجد لذّتها وأثرها على القلب وعلى الجوارح، هذا من بركة امتثال أمر الله ورسوله.
من بركته أنّ فيه حفظا لقوّة النّفس وقوّة البدن، لأنّ النّفس كلّما نالت حَظَّها من الأكل والشّرب استراحت، وكذلك البدن كلّما نال حظّه من الأكل والشّرب نمى وبقيت قوّته، ولهذا يُكره للإنسان أن يحرم أن يصلّي بحضرة طعام يشتهيه، لأنّ ذلك يوجب تشويش قلبه وانشغال ذهنه.
ومنها: من بركته أنّ فيه عوناً على طاعة الله، لأنّك تأكله لتستعين به على أيّ شيء؟
الطالب : على الصّيام.
الشيخ : على الصّيام، وهذا لا شكّ أنّه بركة، فكلّ شيء يعين على طاعة الله فإنّه خير وبركة.
نعم ومنها: أنّ البركة الحسّيّة الظّاهرة، فإنّ الإنسان إذا كان مفطرا يأكل في اليوم مرّتين أو ثلاثا ويشرب كثيرا مرارا، وإذا تسحّر وصام ما يأكل ولا مرّة واحدة، ولا يشرب ولا مرّة واحدة، ولهذا يتعجّب كيف أمس أشرب ستّ أو سبع مرّات في اليوم والآن أصبر على الماء؟! وكذلك في الأكل، وهذا من بركته.
خامساً: أنّ فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتسحّر، ولا شكّ أنّ الفعل الذي تقتدي به برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير وبركة.
ومن بركته أيضا أنّ فيه الفصل بيننا وبين صيام أهل الكتاب.