وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) . متفق عليه . حفظ
الشيخ : " عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( تسحّروا فإنّ في السَّحور بركة ) متّفق عليه " :
فإنّ في السَّحور أو في السُّحور؟
الطالب : في السَّحور.
الشيخ : يحتمل، يحتمل أنّه السَّحور أي: ما يتسحّر به، أو السُّحور الذي هو الأكل في آخر اللّيل.
قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( تسحّروا ) أي: كلوا السُّحور وهو الأكل في السّحر أي: في آخر اللّيل، والخطاب هنا موجّه للصّائمين لأنّهم هم الذين يتسحّرون أمّا غيرهم فإنّهم لا يتسحّرون بل يتغدّون ويتعشّون .
وقوله: ( فإنّ في السَّحور بركة ) : هذا تعليل للأمر وهو بيان أنّ في السّحور بركة.
والبركة : " كثرة الخير ودوامه، ومنه البِركة مجتمع الماء، لأنّ الماء فيها ثابت قارّ ولأنّه يكون كثيرا " ، فالبرَكَة هي كثرة الخير وثباته وقراره.
وقوله: ( فإنّ في السّحور بركةً ) بالنّصب على أنّها اسم إنّ مؤخّرا.
طيب من بركات السّحور:
أوّلاً: امتثال أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقوله: ( تسحّروا )، وكلّ شيء تمتثل به أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل أمر الله ورسوله فإنه بركة وخير، ولهذا جرّب نفسك عندما تفعل العبادة وأنت تستحضر أنّك تفعلها امتثالا لأمر الله تجد فيها من اللّذة والانشراح والطّمأنينة والعاقبة الحسنة ما لا يوجد فيما إذا فعلتها على أنّها مجرّد شيء واجب، عرفتم؟
وجرّبوا هذا وأرجو أن يكون منّا على بالٍ دائماً : أنّنا نفعل العبادة على أنّ ذلك امتثالا لأمر الله ورسوله حتى نجد لذّتها وأثرها على القلب وعلى الجوارح، هذا من بركة امتثال أمر الله ورسوله.
من بركته أنّ فيه حفظا لقوّة النّفس وقوّة البدن، لأنّ النّفس كلّما نالت حَظَّها من الأكل والشّرب استراحت، وكذلك البدن كلّما نال حظّه من الأكل والشّرب نمى وبقيت قوّته، ولهذا يُكره للإنسان أن يحرم أن يصلّي بحضرة طعام يشتهيه، لأنّ ذلك يوجب تشويش قلبه وانشغال ذهنه.
ومنها: من بركته أنّ فيه عوناً على طاعة الله، لأنّك تأكله لتستعين به على أيّ شيء؟
الطالب : على الصّيام.
الشيخ : على الصّيام، وهذا لا شكّ أنّه بركة، فكلّ شيء يعين على طاعة الله فإنّه خير وبركة.
نعم ومنها: أنّ البركة الحسّيّة الظّاهرة، فإنّ الإنسان إذا كان مفطرا يأكل في اليوم مرّتين أو ثلاثا ويشرب كثيرا مرارا، وإذا تسحّر وصام ما يأكل ولا مرّة واحدة، ولا يشرب ولا مرّة واحدة، ولهذا يتعجّب كيف أمس أشرب ستّ أو سبع مرّات في اليوم والآن أصبر على الماء؟! وكذلك في الأكل، وهذا من بركته.
خامساً: أنّ فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتسحّر، ولا شكّ أنّ الفعل الذي تقتدي به برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير وبركة.
ومن بركته أيضا أنّ فيه الفصل بيننا وبين صيام أهل الكتاب، فإن فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب كما في صحيح مسلم: ( أكلة السّحور ) ، وهذا لا شكّ أنّه من بركاته ، فكلّ شيء يميّز المسلم من الكافر سواء في اللّباس أو في الحلى أو في أيّ شيء، فإنّه خير وبركة، لأنّه لا خير في موافقة المشركين أبدًا أو اليهود أو النّصارى في أيّ شيء، أمّا في العبادات فقد يؤدّي إلى الشّرك والكفر، وأمّا في العادات فلأنّ التشبّه بهم في الأمور الظّاهرة قد يوصل إلى التّشبّه إلى الأمور الباطنة، والغالب أنّه ما من شخص يتشبّه بإنسان إلاّ وهو يجد في نفسه إعجاباً به، وأنّه أهل لأن يتشبّه به ويقتدى به، أو ربّما يكون في قلبه محبّة له، وهذا شرّ ممّا قبله بالنّسبة للكافرين.
إذن هذه ستّة أوجه كلّها يشملها قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( فإنّ في السّحور بركة ) نعم، وربّما يكون هناك بركات أخرى معنويّة غير ظاهرة لنا لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ما أمر به وعلّله بهذه العلّة إلاّ وفيه منافع كثيرة للعباد.