فوائد حديث ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ...). حفظ
الشيخ : فيستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:
أوّلا: النّهي عن الوصال وهل النّهي للتّحريم أو للكراهة أو للإرشاد؟
الطالب : للكراهة.
الشيخ : نعم، على خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنّ النّهي للتحريم واستدلّ بأمرين:
الأمر الأوّل: أنّه الأصل في النّهي، الأصل في النّهي التّحريم لقوله تعالى: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) ، والنّهي أمر بالاجتناب ولهذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه )، فيكون النّهي للتّحريم.
والأمر الثاني الذي استدلّوا به: أنّه واصل بهم يوما فيوما للتّنكيل، والتّنكيل نوع من العقوبة ولا عقوبة إلاّ على فعل محرّم وإلاّ لما عوقبوا.
وقال آخرون: إنّ النّهي للكراهة، لأنّه لو كان للتّحريم لم يواصل بهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يأذن لهم في الاستمرار، بمعنى: أنّه لو كان للتّحريم لنهاهم عنه نهياً باتّا إذ أنّ تمكين المنهي من فعل المحرّم لا يجوز، فقالوا هذا للكراهة.
أما القائلون بأنّه للإرشاد، وأنّ الإنسان حسب قوّته فاستدلّوا لذلك بفعل كثير من الصّحابة رضي الله عنهم للوصال، حتى كان ابن الزّبير رضي الله عنه يواصل خمسة عشر يومًا لا يفطر فيها، فقالوا: إنّ فعل هؤلاء الصّحابة رضي الله عنهم وهم عدد من الصّحابة يدلّ على أنّهم فهموا أنّ النّهي للإرشاد لا للكراهة ولا للتّحريم، وأنّ الإنسان إذا كان يرى من نفسه التّعب والمشقّة فإنّه لا يواصل، أمّا إذا كان يرى الرّاحة والانشراح فإنّه يواصل.
فإن قلتَ ما هو أقرب الأقوال إلى الصّواب؟
فالأقرب أنّه للكراهة على الأقلّ، والقول بالتّحريم قويّ للسّببين المذكورين في صدر الكلام، ومن فوائد الحديث .
الطالب : الراجح ؟
الشيخ : قلنا إنّه للكراهة أو للتحريم أقرب.
الطالب : كيف الرد على من قالوا إنهم أذن لهم بالوصال ؟
الشيخ : طيب، أمّا الرّدّ على من قالوا إنّه أذن لهم في الاستمرار فنقول: إنّ هذا الإذن لا يدلّ على جوازه، لأنّه أراد التّنكيل بهم لا إقرارهم عليه، لأجل أن يعرفوا هم بأنفسهم الحكمة من النّهي.
وأمّا الرّدّ على من قال أنّه للإرشاد فنقول: إنّ هذا فهمهم، وفهمهم ليس حجّة على غيرهم لأنّ لدينا -يا بخاري- كلام للرّسول عليه الصّلاة والسّلام .
أي نعم.
طيب من فوائد الحديث أيضا: أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لا يَدَعون شيئا يحتاج إلى سؤال إلاّ سألوا عنه، وهذا أحد الطّرق الذي كمل به الدّين والحمد لله، الدّين كمل بالقرآن وبالسّنّة نعم القوليّة والفعليّة والإقراريّة، حتى إذا جاء شيء لم يأت به الكتاب والسّنّة مثلا قيّض الله له من يسأل عنه إمّا من الصّحابة الذين في المدينة، وإمّا من الأعراب، ولهذا كان الصّحابة يفرحون إذا جاء رجل أعرابي يسأل، لأنّ الأعرابي على فطرته يسأل عن كلّ شيء.
فالحاصل أنّ هذا فيه دليل على أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لم يدعوا شيئا يحتاج النّاس إليه إلاّ سألوا عنه، ولهذا لما نهى عن الوصال أوردوا عليه كونه يواصل.
غرضي بهذه الفائدة ما يترتّب عليها من الأمر العظيم وهو إبطال ما كان عليه أهل الكلام من الإيرادات الباطلة التي يريدون أن يتوصّلوا بها إلى تعطيل أسماء الله وصفاته في قولهم: " لو كان كذا لزم كذا " ، نعم وما أشبه ذلك من الأشياء التي يقولونها يتوصّلون بها إلى إبطال ما وصف الله به نفسه أو سمّى به نفسه، فيقال: أين الصّحابة عن هذه الإيرادات التي أوردتم ؟ هل هم فهموها وإلاّ إيش؟
طيب من فوائد الحديث: إثبات الخصوصيّة للرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وأنّ الله تعالى قد يخصّه بأحكام دون الأمّة، وهو كذلك، وقد ذكر أهل العلم خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في كتاب النّكاح، الفقهاء أعني، ذكروا خصائصه في كتاب النّكاح لأنّ له في النّكاح خصائص كثيرة، فذكروها هناك وقالوا: إنّ الرّسول خُصّ بأحكام واجبة وهي ليست واجبة على غيره، محظورة عليه وهي ليست محظورة على غيره، مباحة له وهي ليست مباحة لغيره، منها الوصال، في حقّه ليس بمكروه، وفي حقّ غيره مكروه.
ومن فوائد الحديث أنّ ما ثبت في حقّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو ثابت في حقّ الأمّة إلاّ بدليل، وجهه؟
الطالب : لما نهى عن الوصال .
الشيخ : نعم أنّه لما نهى عن الوصال قالوا إنّك تواصل وإذا كنت تواصل فلنكن نحن نواصل لأنّك أسوتنا ، وهذه قاعدة دلّ عليها آيات كثيرة في القرآن مثل قوله تعالى: (( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله )) فهو أسوتنا وقدوتنا وإمامنا، فقد قال الله تعالى: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) فإذن الأصل في ما فعل أنّه له وللأمّة إلاّ؟
الطالب : بدليل.
الشيخ : بدليل، والأصل في ما قال أنّه له وللأمّة إلاّ بدليل، وبهذا نردّ على قاعدة ذكرها الشّوكاني -رحمه الله- وهي غريبة عليه مع إمامته وجلالته وهي: " أنّ الرّسول إذا ذكر قولا عامّا وفعل فعلا يخالف عمومه حمل الفعل على الخصوصيّة " ، وهذا لا شكّ أنّه خطأ ، لأنّ قول الرّسول سنّة وفعله سنّة، وإذا كان قوله سنّة وفعله سنّة وأمكن الجمع بينهما كان ذلك هو الواجب حتى لا نجعل فعله مخالفا لقوله ، فلا يمكن أن نرجع أو أن يصار إلى الخصوصيّة إلاّ بدليل، وإذا أمكن الجمع فهو الواجب.
نعم ومن فوائد الحديث أيضا: حسن خلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم .
الطالب : الكتاب الذي ذكرته فين ؟
الشيخ : الفقهاء في كتب الفقه، هم يذكرون كتاب الفرائض .