فوائد حديث ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ...). حفظ
الشيخ : استفدنا من هذا الحديث عدّة فوائد:
أوّلًا: جواز الحديث عمّا يُستحيا منه في إظهار الحقّ، من أين يؤخذ؟
من فعل عائشة رضي الله عنها حيث تكلّمت في أمر يستحيا منه فإنّ المرأة تستحي أن تتكلّم بهذا لا سيما إذا كانت تريد نفسها كما تدلّ عليه الرّوايات الأخرى: ( أنّه يقبّلها هي رضي الله عنها ) ، لكن في بيان الحقّ لا ينبغي أن يستحيا الإنسان من أيّ شيء، ولهذا قالت أمّ سليم لما سألت الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن المرأة تحتلم قالت مقدّمة لسؤالها: ( إنّ الله لا يستحي من الحقّ ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ) ؟
والاستحياء من الحقّ لا يمدح بل يذمّ لأنّه خور وجبن من الإنسان المستحي، وأنت أيضا إذا استحييت من الحقّ فمعناه أنّك فوّضت القول بالحقّ أو فوّضت فعل الحقّ وهذا خلاف الإيمان.
ومن فوائد الحديث: جواز التّقبيل للصّائم، كيف ذلك؟
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقبّل وهو صائم، فإن قلت: الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عبد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؟
نعم فالجواب: أنّ هذا أورد على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أورده عليه عمر بن أبي سلمة حين سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن القبلة للصّائم فقال: ( سل هذه -يعني: أمّ سلمة- فأخبرته أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك، فقال يا رسول الله إنّ الله قد غفر ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فأخبر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بأنّه أعلم النّاس بالله وأتقاهم لله وأخشاهم له ) ، إذن هذا الإيراد أجاب عنه مَن؟
الطالب : النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
الشيخ : الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، نقول: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) .
طيب وهل يستحبّ أن يقبّل وهو صائم أو يباشر وهو صائم؟
الطالب : لا يستحب.
الشيخ : يستحبّ يعني ما أقول هل يجوز؟
الطالب : لا.
الشيخ : هل يستحبّ؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، لكن بعض العلماء كابن حزم -رحمه الله- قال: إنه يستحبّ للإنسان أن يقبّل وهو صائم وأنّه يؤجر على ذلك، وأن يباشر وهو صائم ويؤجر على ذلك، ولكن هذا قول ضعيف جدّا، لأنّ فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهذا ليس على سبيل التّقرّب والتّعبّد لكنّه بمقتضى الجبلّة والطّبيعة، وما كان كذلك فإنّه لا يقال: إنّه مستحبّ، لكن فعله في الصّيام يدلّ على الجواز. نعم لو فرض أنّ الإنسان فعله ليبيّن جوازه فهذا قد يقال: إنّه يؤجر لا من أجل التّقبيل أو المباشرة ولكن من أجل بيان السّنّة وتثبيتها، لأنّ النّاس قد يقبلون السّنّة بالفعل أكثر ممّا يقبلونها بالقول، فإذا كان مثلا رجل عنده ابنه مثلا أو أخوه، أخوه مثلا شاب، ولنقل ابنه لأنّ أخاه ما يتصوّر، هو شابّ مثلا وأبوه شيخ كبير، قبّل زوجته وأبوه يشهده، فأخذ عليه الخشبة يريد أن يضربه بها، قال: هذا حرام والعياذ بالله كيف تقبّل امرأتك هذه؟ فأعاد مرّة أخرى ليبيّن له الجواز، يؤجر بهذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم ما دام يريد إظهار السّنّة فإنّه يؤجر، ولا شكّ أنّ إظهار السّنّة لا سيما في مثل الأمر الذي يستعظمه العامّة وهو ليس بعظيم، لا شكّ أنّ هذا من الأمور المطلوبة.
أمّا أن نقول: إنّه مستحبّ لذاته فهذا ليس بصواب بلا شكّ، ولا نقول: يطلب للصّائم أن يقبّل زوجته كما يطلب له أن يدعو الله ويذكر الله ويقرأ القرآن وما أشبه ذلك.
طيب واستدلّ بعض العلماء، أو نقول أيضا: فيه دليل على أنّه لا فرق بين الشابّ والشّيخ الدّليل؟
أنّنا نعلم أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان ممّا حبّب إليه النّساء، وكان عنده قوّة ثلاثين رجلا عليه الصّلاة والسّلام، ولا شكّ أنّه يشتهي النّساء ومع ذلك يقبّل وهو صائم، فلا فرق بين الشّابّ والشّيخ وأما ما رواه أبو داود في التّفريق بينهما فضعيف لا تقوم به حجّة.
ويستفاد من هذا الحديث: أنّ من لا يملك نفسه فلا يفعلنّ هذا الفعل، لقولها: ( وكان أملككم لإربه ) فمن لا يملك نفسه بمعنى: أنّه يخشى إن باشر أن لا يملك نفسه فيجامع، فإنّنا نقول لا تفعل وإلاّ افعل؟
الطالب : لا تفعل.
الشيخ : لا تفعل، من باب سدّ الذّرائع، والنّاس يختلفون في قوّة الإيمان، وفي قوّة ملك النّفس، فإنّ بعض النّاس قد يمنعه إيمانه من التّجاوز من الحلال إلى الحرام، وبعض النّاس يمنعه أيضا ملكُه نفسَه وإن كان ليس قويّ الإيمان لكن رجل يملك نفسه تماما فيملك نفسه أن يفعل الشّيء المحرّم، نعم على كلّ حال النّاس يختلفون:
فالإنسان الذي يخشى على نفسه الوقوع في المحرّم نقول: سدّ الذّريعة على نفسك ولا تفعل، وسدّ الذّرائع أمر جاءت به الشّرائع، فإذا كان كذلك فلا تفعل، وأمّا إذا كنت لا تملك نفسك فلا.
يستفاد من هذا الحديث كما استفاده بعضهم: أنّه لو أنزل لم يفسد صومه، وجه الدّلالة قال: لأنّ المباشرة عند أكثر النّاس سبب للإنزال، أكثر النّاس لا سيما الشّاب قويّ الشّهوة سريع الإنزال لا يملك نفسه بلا شكّ، بعض النّاس إذا حدّث امرأته ربّما ينزل والنّاس يختلفون في هذا لأنّها طبائع تختلف النّاس فيها، فيرى بعض العلماء من هذا الحديث أو يستفيد من هذا الحديث: أنّ الإنزال بشهوة لا يفسد الصّوم ولو مع المباشرة والتّقبيل، وقال محتجّا لقوله: إنّكم تقولون إذا قبّل فقط أو باشر فقط بدون إنزال لم يفسد صومه، وإذا أنزل بدون تقبيل ولا مباشرة لم يفسد صومه، يعني: كما لو فكّر وأنزل فإنّه لا يفسد صومه، فما الذي جعلهما مجتمعين يفسدان الصّوم؟ أفهمتم الآن؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، يقرّر قوله هذا يقول: أنتم تقولون إذا قبّل ولم ينزل أو باشر ولم ينزل يفسد صومه أو لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا يفسد صومه، طيب إذا أنزل بدون تقبيل ولا مباشرة بتفكير؟
الطالب : لا يفسد.
الشيخ : لا يفسد، كذا وإلاّ لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : يقول: ما الذي يجعلهما إذا اجتمعا فسد؟ يعني: إذا حصل تقبيل وإنزال أو مباشرة وإنزال فسد؟ هذا تقرير مذهبه، فما تقولون؟
الطالب : قويّ.
الشيخ : هاه؟ توافقون؟
الطالب : لا يا شيخ.
الشيخ : عبد الله؟
الطالب : لأن المباشرة هنا سبب للإنزال.
الشيخ : أي.
الطالب : ولذلك تتعدى الحد ... وهو الإنزال.
الشيخ : طيب.
الطالب : أقول إذا كان الإنزال ليس من فعله من التفكير فقط فقد عفي عنه
الشيخ : نعم.
الطالب : عفي عنه.
الشيخ : نعم.
الطالب : بالمباشرة والتقبيل بدون إنزال فلا حرج يقبل.
الشيخ : نعم زين، إذن نقول: يرتفع الحكم في الإنزال بلا مباشرة، بأنّه حديث نفس وقد عفا الله عن حديث النّفس.
ويرتفع الحكم بالنّسبة للمباشرة المجرّدة لهذا الحديث.
ونحن نقول: إذا أنزل بفعله فإنّ صومه يفسد، لأنّ قول عائشة رضي الله عنها : ( كان أملككم لإربه ) يشير إلى هذا، هذا واحدة.
ثانيًا: لا شكّ أنّ الإنزال شهوة وفي الحديث الصّحيح في ثواب الصّيام قال الله تعالى: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) ، والمنيّ شهوة بدليل قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام : ( وفي بَضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) والذي يوضع هو؟
الطالب : المنيّ.
الشيخ : المنيّ، هو الذي يوضع في الرّحم، فهذا أيضا يدلّ على أنّ الإنزال بالمباشرة أو التّقبيل مفطّر، ونحن قد نلتزم بأنّه بالتّفكير يفطّر الإنزال، لكن عندنا حديث: ( إنّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم ) يعني: لولا هذا الحديث لقلنا إذا أنزل بالتّفكير أفطر واضح؟
طيب، ثانياً أو ثالثاً : أنّ بعض العلماء حكى الإجماع على أنّ الإنزال بالمباشرة والتّقبيل يفطّر، ففي *الحاوي للشّافعيّة نقل الإجماع على أنّه يفطّر، والموفّق في *المغني قال: لا نعلم فيه خلافا، والمذاهب الأربعة كلّها متّفقة على أنّه أي الإنزال بالمباشرة أو التّقبيل يفطّر، نعم، فالصّواب عندي: أنّ الإنزال بالمباشرة أو التّقبيل أنّه مفطّر للصّائم، والجواب عمّا أُورد سمعتموه.
طيب هل الإمذاء يفطّر؟
الطالب : لا.
الشيخ : إذا أمذى بمباشرة أو تقبيل؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا يفطّر، لا شكّ في ذلك، أنّه يفطّر خلافا للمشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-، فإنّ المشهور عند أصحابه أنّ الإمذاء بذلك مفطّر، والصّواب أنّه لا يفطّر للفرق العظيم بينه وبين الإنزال، فإنّ بينهما فروق كثيرة ولا يمكن إلحاق المذيّ بالمنيّ لا يمكن، لا يمكن من حيث الحقيقة ولا من حيث الأثر على الجسم، ولا من ناحية الأحكام المترتّبة على ذلك، لا يمكن لا يفطّر. فالحاصل الآن لدينا مباشرة وتقبيل بدون إنزال ولا مذي؟ هاه؟
الطالب : لا يفسدان.
الشيخ : لا يفسدان الصّوم، المباشرة والتّقبيل بدون إنزال ولا مذيّ لا يفسدان الصّوم قولا واحدا في المذهب، طيب المباشرة أو التّقبيل مع الإمذاء؟
الطالب : لا يفسد.
الشيخ : على المذهب يفسدان الصّوم والصّحيح؟
الطالب : لا يفسدان.
الشيخ : لا يفسد الصّوم، طيب مع الإنزال؟
الطالب : يفسد.
الشيخ : يفسدان الصّوم على القول الصّحيح وهو إمّا إجماع أو على الأقلّ المخالف في ذلك نادر.
فالصّحيح أنّه يفطّر، نعم.
أنّ تكرار النّظر حتى ينزل يفطّر، قال: لأنّ هذا فعل، وفيه خلاف هذا. مخصّص نعم، يعني مبين فإنّ قوله: (( فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم )) فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يبيّن أنّ المراد بالمباشرة الجماع.
الطالب : طيب هل عائشة تدعي الخصوصية في قولها : ( وكان أملككم لإربه ) ؟
الشيخ : بس هذه الخصوصيّة ممتنعة لمّا سأله.
الطالب : عارف، لكن قولها عن القبلة والمباشرة ما يشعر بكراهتها لها ؟
الشيخ : والله ما أعتقد أنّها تكره أن الرّسول يقبّلها مهما كان.
لا، هي تريد أن لا يندفع النّاس إلى هذا الفعل، فيصيرون ما يبالون، نعم ؟ إيش تقولون؟
رجل صار يكلّم زوجته ويداعبها بالقول ما منه أي فعل، لكن مع كثرة الكلام أنزل؟
الطالب : إن غلب على ظنّه أنّه ينزل.
الشيخ : لا لا ، هو غلب على ظنّه، عارف من نفسه، الظّاهر أنّه ما يفسد صومه وتحتاج إلى تأمّل، لأنّنا إذا قلنا أنّ تكرار النّظر لا يفطر في الإنسان فإنّ الأثر الحاصل بتكرار النّظر أكثر من الأثر الحاصل بالكلام ، فالظاهر أنّه ما يفسد صومه ، لكن ينبغي للإنسان أن يتوقّى هذا الشّيء إذا خاف الإنزال، الذي ينبغي له أن يتوقّاه.
والجهاد على رأي بعض العلماء إذا شرع فيه يجب إتمامه.
الطالب : ...
الشيخ : إي ما فيه شك أبدا، كما قال أهل العلم ، قال: إنّه ينبغي لمن شرع في عبادة أن لا يقطعها إلاّ لغرض صحيح.