فوائد حديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ...). حفظ
الشيخ : فيستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:
الفائدة الأولى: جواز الحجامة للمحرم لقوله: ( احتجم وهو محرم ).
الثاني: أنه يجوز أن يحلق من الشّعر ما يحتاج إليه من الحجامة ليش؟
لأنّه من اللّازم ذلك، وجواز الملزوم يدلّ على جواز؟
الطالب : اللاّزم.
الشيخ : اللّازم.
ثالثًا: أنّه إذا حلق من رأسه مثل هذا القدر فليس فيه فدية، وبه نعرف ضعف قول من يقول: إنّ الإنسان إذا أخذ شعرة من رأسه واحدة فعليه طعام مسكين، فإن أخذ اثنتين فطعام مسكينين، فإن أخذ ثلاث شعرات ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فهذا القول ضعيف، ولا يعدّ مَن أخذ ثلاث شعرات من رأسه لا يعدّ حالقا أبدًا، والله عزّ وجلّ يقول: (( لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية )) والكلام على إيش؟
الطالب : على حلق الرّأس.
الشيخ : على حلق الرّأس، أمّا أخذ شعرة أو شعرتين فهذا ليس فيه شيء.
فإن قلت: إنّ الذي أسقط الفدية هنا الحاجة إلى أخذ الشّعر ؟
فالجواب: الحاجة لا تسقط الفدية، لأنّ الله قال: (( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية )) وهذه الصّورة حاجة ولاّ لا؟
حاجة، ولهذا كعب بن عجرة رضي الله عنه حلق رأسه لأنّه جيء به إلى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام والقمل يتناثر على وجهه من رأسه، لأنّه كان مريضا، والمريض تكثر معه الأوساخ ويضعف معه البدن وتكثر فيه القمل، فقال له النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( ما كنتُ أُرى الوجعَ بلغ بك ما أَرى ) ثمّ رخّص له أن يحلق وأن يفدي بصيام أو صدقة أو نسك، واضح؟
الطالب : واضح.
الشيخ : إذن نقول: إنّ الحاجة إلى حلق هذا الجزء اليسير من الرّأس من أجل الحجامة لا تسقط الفدية، لأنّها لو وجبت ما أسقطتها الحاجة بدليل حديث كعب بن عجرة.
وعلى هذا فنقول: إنّ أقرب الأقوال في هذا الباب أي في حلق الشّعر، أقرب الأقوال مذهب مالك رحمه الله : أنّه إذا حلق ما يزول به الأذى وجبت الفدية، وإن حلق دون ذلك فلا فدية عليه لكن يحرم عليه أن يحلق إلاّ لحاجة.
طيب في هذا الحديث أيضا دليل على جواز الحجامة للصّائم، لقوله: ( احتجم وهو صائم ) وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء :
أنّ الحجامة للصّائم لا تفطّر ، لأنّها ليست أكلا ولا شربا ولا جماعا ولا بمعنى الأكل والشّرب وعلى هذا فلا تفطّر، والله عزّ وجلّ يقول: (( فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر )) .
فإن قلت: ألا يحتمل أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام احتجم وهو صائم ثمّ قضى، يعني أفطر ثمّ قضى؟ هاه؟
الجواب: نعم إنّه يحتمل لا شكّ، هذا الاحتمال وارد، لكن لو كان الأمر كذلك لنقل.
ثمّ إنّ مثل هذا السّياق يقتضي أنّه سيق للاستدلال به على أنّ الصّائم لا تؤثّر عليه الحجامة، فيكون هذا الإيراد غير وارد، كما نقول في قوله: ( احتجم وهو محرم ) أفلا يجوز لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فدى ؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : يجوز، لكن الظّاهر خلاف ذلك، إذ لو فدى لنقل.
طيب إذن يؤخذ من هذا الحديث جواز الحجامة للصّائم، وأنّها لا تفطّره.
فإن قلت: أفلا يكون الرّسول عليه الصّلاة والسّلام احتاج إلى الحجامة ومعلوم أنّ الصّائم إذا احتاج إلى الأكل والشّرب بحيث يتضرّر بفقدهما في أثناء النّهار يجوز له أن يأكل أو يشرب ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يجوز، فيمكن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لكونه يحتجم كثيرا يمكن أنّه احتاج إلى الحجامة في ذلك اليوم فاحتجم.
فالجواب أن نقول:
ليس الكلام في جواز الحجامة من عدمها، نحن قلنا: ما احتجم إلاّ والحجامة جائزة له إمّا لكونها جائزة للصّائم مطلقا، وإمّا لكونها جائزة عند الحاجة، وليس كلامنا في هذا، الكلام في هل تفطّر أو لا؟
فظاهر الحديث أنّها لا تفطّر، لأنّها لو كانت تفطّر لنقل عنه أن قضى هذا الصّوم، وأنّه أفطر ذلك اليوم.