وعن شداد بن أوس رضي الله عنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم ) . رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان . حفظ
الشيخ : ثمّ قال: " وعن شداد بن أوس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أفطر الحاجم والمحجوم ) رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان " :
نعم، هذا أيضا الحديث يقول: مرّ على رجل بالبقيع، والمراد بالبقيع ما حوله، لأنّ البقيع هو المقبرة التي هي مدفن موتى أهل المدينة ، والظاهر أنّ النّاس لا يكونون في نفس المقبرة يحتجمون لما في ذلك من تلويث المقبرة بالدّم وغير ذلك، ولكن يعني بالبقيع ما حولها ، إلاّ أن يراد بالبقيع كلّ ذلك المكان، يعني ما فيه من القبور وما كان خارجا عنه فيصحّ.
على كلّ حال مسألة المكان لا يهمّ، المهمّ أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) الحاجم مَن هو؟
الطالب : فاعل الحجامة.
الشيخ : فاعل الحجامة، والمحجوم المفعول به، فالحاجم مثل الحلاّق، والمحجوم المحلوق، كذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) هو كقوله: ( إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا وغربت الشّمس فقد أفطر الصّائم ) أفطر يعني: حلّ له الفطر؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب هنا: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) يعني حلّ لهما الفطر؟
الطالب : لا.د
الشيخ : لا، لكن هذا يختلف عن ذاك، لأنّ القول الرّاجح في ذاك: ( فقد أفطر الصّائم ) أي: حلّ له الفطر وليس المعنى فقد أفطر حكما كما قيل به.
أمّا هنا فقد أفطر يعني: أفسد صومه فأفطر، هذا معنى الحديث.
وقوله: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فيه إفطار الرّجلين، أمّا المحجوم فالفطر في حقّه معقول المعنى، ما هو؟
هو ما يحصل له من الضّعف بخروج الدّم، الضّعف الذي يوجب ضرر البدن وطلب البدن الأكل والشّرب حتى يعوّض ما نقص بخروج ذلك الدّم، والإنسان في صومه جعله الله سبحانه وتعالى يكون وسطاً بين الإفراط والتّفريط : بين أن يأكل ويشرب ليقوّي البدن بالغذاء، وبين أن يحتجم ويستقيء فيضرّ البدن بفقد الغذاء أو بفقد الدّم:
بفقد الغذاء بالقيء أو بفقد في الحجامة، فراعى الشّرع جانب العدل بالنّسبة للبدن: لا إفراط ولا تفريط.
فجعل ما أدخل البدن ممّا يقوّيه جعله مفطّرا، وما أخرجه ممّا يضعفه جعله أيضا مفطّرا حتى يقوم البدن بالعدل لا إفراط ولا تفريط، وهذا من الحكمة العظيمة، فعلى هذا نقول: الحكمة في كون المحجوم يفطر هو ما يحصل للبدن من الضّعف الذي يحتاج معه إلى مادّة غذائيّة يستعيد بها قوّته، وعليه فإن كان الإنسان في ضرورة إلى الحجامة احتجم، وقلنا له: كل واشرب ولو في رمضان إذا كان في ضرورة، لأنّ بعض النّاس لا سيما الذين يفعلون الحجامة إذا فقدوها أحياناً يُغمى عليهم ويموتون، فإذا بلغ الإنسان إلى هذا الحدّ فنقول: احتجم وكل واشرب وأعد للبدن قوّته، وإذا لم يصل إلى هذا الحدّ وكان بإمكانه أن يصبر إلى غروب الشّمس قلنا له: في الفرض يحرم عليك أن تحتجم، ولا يجوز، بل تبقى إلى أن تغرب الشّمس وتفطر، أمّا الآن فلا، إن كان في نفل فالأمر واسع فيه، لأنّ النّفل يجوز للإنسان أن يأكل فيه ويشرب ولو بلا عذر أعرفتم؟
طيب إذن عرفنا الحكمة بالنّسبة لمن؟
الطالب : للمحجوم.
الشيخ : بالنّسبة للمحجوم، طيب بالنّسبة للحاجم؟
بالنّسبة للحاجم قد تكون الحكمة خفيّة وهي كذلك، الحكمة في الحقيقة بالنّسبة للحاجم خفيّة جدّا، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنّ الحاجم لا يفطر، والمحجوم يفطر، لكنّ هذا القول كما تنظرون ضعيف جدّا ليش؟
الطالب : مصادم.
الشيخ : مصادم كيف؟ تأخذ ببعض النّصّ وتدع بعضا لا يمكن هذا، هذا ليس بعدل في جانب النّصوص.
وقال بعضهم: الحكمة في المحجوم ظاهرة وفي الحاجم تعبّديّة ما ندري، نحكم بما حكم به الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ولا ندري، وبناء على قولهم: فالحاجم يفطر بأيّ وسيلة حجم، لأنّ المسألة تعبّديّة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: " بل الحكمة معقولة فيهما، أمّا في المحجوم فقد سبقت وهي الضّعف الذي ينهك البدن، وأمّا بالنّسبة للحاجم فلأنّ الحاجم يمصّ القارورة والدّم قد يكون غزيرا خرج بسرعة وبشدّة فينفذ إليه من القارورة دم وهو لا يشعر لشدّة المصّ ، لأنّه يمصّ بقوّة يشفط شفطا قويّا فربّما يتهرّب من الدّم إلى بدنه وهو لا يشعر، فجعلت هذه المظنّة بمنزلة المئنّة، قال ونظيره النّائم ينام والنّوم ليس بحدث ولكنه مظنّة الحدث " ، فصار النّوم ناقضا للوضوء وإن كان قد لا يحدث منه ناقض ، فشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنّ الحكمة معقولة في الطّرفين: في الحاجم والمحجوم .
قال: " وبناء على ذلك لو حجم بغير هذه الطّريقة المعروفة فإنّ الحاجم؟
الطالب : لا يفطر.
الشيخ : لا يفطر "
، وأنتم قلتم لي الآن أنّهم بدأوا يحجمون بغير هذه الطّريقة، فلو فرض أنّه حجم بآلة تمصّ بدل مصّ الآدميّ فإنّه لا يفطر بناء على أنّ العلّة معقولة ، وإذا كانت العلّة معقولة فالحكم يدور معها وجوداً وعدماً، لكن المشهور من مذهب الحنابلة أنّ الحكمة غير معقولة، والغريب أنّها عندهم غير معقولة في الطّرفين، ولهذا قالوا: لو فصد الإنسان فصدًا وخرج به من الدّم أكثر ممّا خرج به بالحجامة فإنّه لا يفطر، لأنّ الحكمة غير معقولة تعبّديّة، لو فصد أو شرط فإنّه لا يفطر، عرفت؟
الطالب : ما هو الفصد؟
الشيخ : الفصد هو: أن يشقّ العرق عرضا حتى يخرج الدّم. وأمّا الشّرط أن يشقّه طولا حتى يخرج الدّم، والفصد أن يشقّه؟
الطالب : عرضا.
الشيخ : عرضا حتى يخرج الدّم، عشان يخرج الدّم الفاسد، إذا هاج بالإنسان الدّم فعلوا به هكذا.
قال شيخ الإسلام : " والأصلح في البلاد الحارّة الحجامة، وفي البلاد الباردة الفصد أو الشّرط ، لأنّ البلاد الباردة يغور فيها الدّم، ينزل إلى باطن البدن من أجل البرودة الخارجيّة، فكان الفصد أو الشّرط أبلغ من الحجامة في استخراج الدّم الفاسد ، وأمّا في البلاد الحارّة فإنّ الدّم يخرج ويبرز على ظاهر الجلد فتكون الحجامة أنفع وأفيد " .
نعم على كلّ حال هذه مسائل طبّيّة ما نعرفها.
الآن نشوف: في هذا الحديث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) ونحن إذا أخذنا بظاهره قلنا فسد صومهما، والعلّة عرفتم الآن أنّ للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
قول: أنّها معقولة فيهما، وقول: أنّها غير معقولة فيهما، وهذان قولان متقابلان.
والثالث: أنّها معقولة في المحجوم غير معقولة في الحاجم، نعم طيب .
الطالب : الرابع قول شيخ الإسلام.
الشيخ : لا، هو كلام شيخ الإسلام معقولة فيهما.