وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم ). رواه الدار قطني وقواه . حفظ
الشيخ : " وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( أوّل ما كرهت الحجامة للصّائم ) " :
أوّل كيف نعربها؟
الطالب : مبتدأ.
الشيخ : مبتدأ، أين الخبر؟
الطالب : ...
الشيخ : أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر من جملة فهي مصدر.
طيب: ( أوّل ما كرهت ) : كُرِه، الكراهة في لسان الشّارع غير الكراهة في عرف الفقهاء، الكراهة في لسان الشّارع للشّيء المحرّم الذي قد يكون شركا أكبر، اقرأ قول الله تعالى: (( وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحسانا )) إلى أن قال: (( كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروهاً ))، نعم، واقرأ ما جاء في الحديث عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام : ( إنّ الله كره لكم وأد البنات ): وأد البنات من كبائر الذّنوب.
فالكراهة في لسان الشّارع غير الكراهة في عرف الفقهاء، في عرف الفقهاء الكراهة منزلة بين التّحريم والإباحة، فيعرّفون المكروه بأنّه: ما نُهي عنه لا على سبيل الإلزام بالتّرك، ويقولون في حكمه: يثاب تاركه امتثالا ولا يعاقب فاعله، فهو بمنزلة بين المنزلتين بالنّسبة للمباح والمكروه.
فهنا الكراهة في لسان الشّارع لأنّ الاصطلاح على أنّ الكراهة وسط في منزلة بين المنزلتين هذا اصطلاح متأخّر.
وقوله: ( كرهت الحجامة للصّائم أنّ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه احتجم وهو صائم ) : جعفر بن أبي طالب كان أخا؟
الطالب : لعليّ بن أبي طالب.
الشيخ : لعليّ بن أبي طالب، لكنّ عليّا رضي الله عنه يكبره في المرتبة وسبق الإسلام وأنّه أحد الخلفاء الرّاشدين، نعم .
( احتجم وهو صائم فمرّ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أفطر هذان ) : المشار إليهما الحاجم والمحجوم .
( ثمّ رخّص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد في الحجامة للصّائم وكان أنس يحتجم وهو صائم ):
نعم نقول هذا الحديث: ( أفطر هذان ) المشار إليهما الحاجم والمحجوم كما قلت، فهل غيرهما مثلهما؟
الجواب: نعم، يعني غير هذين الشّخصين مثلهما في الحكم لأنّه سبق لنا قاعدة مهمّة أنّ ما ثبت في حكم الواحد في هذه الأمّة فهو له ولغيره ممّن ساواه في المعنى الذي عُلّق عليه الحكم، انتبه لهذه النّقطة، ممّن ساواه في المعنى الذي علّق عليه الحكم، ما هو لكلّ واحد من النّاس، لمن ساواه.
مثال ذلك: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين رأى رجلا في السّفر قد ظلّل عليه والنّاس زحام حوله، قال: ( ليس من البرّ الصّيام في السّفر ) هل نأخذ هذا على عمومه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ما نقول كلّ النّاس ليس من البرّ الصّيام في حقّهم، بل نقول: الرّجل الذي يبلغ به الصّيام ما بلغ بهذا الرّجل ليس الصّوم في السّفر بالنّسبة إليه من البرّ واضح؟
أي نعم، طيب إذن الحجامة لا نعقل لها معنى يختصّ بجعفر بن أبي طالب وحاجمه، بل نجد أنّ معناها شامل عامّ فكلّ من حجم أو احتجم فإنّه داخل في هذا الحكم.
ولكن هل يدخل عليه بالنّصّ أو يدخل عليه بالقياس؟ نعم؟
الطالب : بالنّصّ.
الشيخ : كلمة : هذان كما مرّ علينا اسم الإشارة يعيّن المشار إليه ولهذا كان اسم الإشارة أحد المعارف، فهو يعيّن المشار إليه كما لو قلت: أفطر جعفر وفلان أعني: الحاجم له، فهي تعيّن المشار إليه، فهل نقول: إنّ الحكم في غيرهما ثابت بالقياس عليهما؟
الجواب: هذا هو الظّاهر، نعم، أنّه بالقياس.
وقد يقول قائل: لا، بل إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إذا نصّ على شخص بعينه فهذا النّصّ المعيّن لهذا الشّخص كالتّمثيل لقاعدة عامّة ، فعليه نأخذ بعموم المعنى، ويكون غيرهما داخلا في العموم المعنويّ ويكون ذكر هذا الشّيء المعيّن كالتّمثيل فقط، ومن ثَمّ قيل: " العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب "، أيّا كان فالحكم لهما ولغيرهما لكن نقول: ( ثمّ رخّص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد في الحجامة للصّائم ) .
وفي بعض ألفاظ الحديث أنّما رخّص من أجل الضّعف، إنّما جعلت الحجامة أو كرهت من أجل الضّعف ثمّ رخّصت، فإذا كان كراهة الحجامة من أجل الضّعف فإنّ المعروف أنّ الضّعف؟ هاه؟
الطالب : لا يجوز.
الشيخ : لا يجوز، وما علّق الحكم به على أمر لا يجوز فإنّ نسخه لا يمكن إلاّ أن تزول تلك العلّة التي من أجلها شرع الحكم.
نعم قال: " ( وكان أنس يحتجم وهو صائم ) رواه الدّارقطني وقوّاه " :
أنا بأشوف الإخوان منكم المحدّثين لأنّ الدّارقطني ما هو عندي، يخرّج لنا هذا الحديث، لأنّه إذا صحّ هذا الحديث فربّما يكون فيصل المسألة، نعم، من الذي عنده الدّارقطني؟
الطالب : في المكتبة.
الشيخ : عندنا هنا؟