فوائد حديث ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب ...). حفظ
الشيخ : طيب هذا الحديث فيه فوائد:
أوّلًا: الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( أفطر هذان ) بعد أن رآهما يحتجمان، ومن المعلوم أنّ هذين المحتجمين لا يعلمان الحكم لأنّهما لو علما الحكم ما فعلاه، ما احتجما ، يعني طيّب ما حصلت الحجامة، فكيف قال: ( أفطر هذان ) : والقاعدة عندنا: " أنّ المحظور إذا فعل على سبيل الجهل فإنّه لا يؤثّر " ، فكيف نخرّج هذا الحديث؟
لأنّك إن قلت: إنّهما كانا عالمين فهو بعيد أن يكونا عالمين بأنّ الحجامة تفطّر نعم ثمّ تجري الحجامة منهما، وإن قلت: غير عالمين فقد حكم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّهما أفطرا، نعم؟
الطالب : للضرر عليهما.
الشيخ : إيش؟
الطالب : للضرر عليهما.
الشيخ : إي
الطالب : لما احتجما وقع الضرر عليهما فإن لم يفطرا لأصابهما الضعف.
الشيخ : نعم، نعم يا حمد؟
الطالب : أفطر جنس هذا أو نوع هذا.
الشيخ : أي طيّب.
الطالب : هذا ليس لتعيين شخصه هذا ، بل هو حكم من فعله.
الشيخ : طيب، هذا الذي قاله حمد: بأنّه باعتبار على الجنس أو النّوع، نعم؟
الطالب : أن يكون بأن سبب الفطر ممكن، لكن هما لا يعلمان به، وهو بالنّسبة للحاجم فيه شك من الدم، وبالنّسبة للمحجوم الضّرر.
الشيخ : طيب هو الواقع أنّ الجواب على أحد أمرين:
إمّا ما قاله الأخ حمد والمراد ( أفطر هذان ) بمنزلة قوله: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فيكون المراد أفطر هذا النّوع من النّاس الذي حجم واحتجم، هذا قول.
قول ثاني : أنّ المراد بيان أنّ الحجامة تفطّر وأنّ الحجامة سبب، بقطع النّظر عن كون هذين الرّجلين ينطبق عليهما شروط الفطر أو لا ينطبق، واضح؟ فيكون هنا كأنّ في الحديث إيماء إلى بيان سبب الفطر لا إلى الحكم بكون هذين الرّجلين قد أفطرا، وهذا هو الذي نقله ابن القيّم في *إعلام الموقّعين* عن شيخه ابن تيميّة رحمه الله يقول: " إنّ المراد هو بيان أنّ هذا الفعل مفطّر أمّا كون هذين الرّجلين مفطران فهذا يعلم من أدلّة الكتاب الأخرى " ، وهذا الحمل واجب ، لأنّ لدينا نصوصا عامّة صريحة واضحة في أنّ الجاهل معذور بجهله، فيجب أن تحمل هذه النّصوص المتشابهة على النّصوص المحكمة، وهذه القاعدة أنا أريد منكم جميعا أن تفهموها : " أنّ النّصوص المتشابهة المحتملة لأمرين أحدهما ممّا تقرّه القواعد العامّة، والثاني ممّا لا تقرّه فيجب أن يحمل على القواعد العامّة إذا كان الحمل ممكنا، أمّا إذا لم يكن ممكنا فإنّه يبقى هذا مخصّصا للعموم ويثبت الحكم فيه بخصوصه " ، لا يتعدّاه إلى غيره، فلو فرض أنّنا لم نجد محملا لهذا الحديث قلنا نخصّه بالحالة الواقعة فقط ونقول: من أفطر بالحجامة ولو جاهلا بأنّها تفطّر فعليه القضاء يكون مفطرا، وفي غيرها لا قضاء عليه -معنا يا أحمد؟-
الطالب : هل يلزم من إفطارهما أن يعلما أن الحجامة تفطر ، فلو جامع الإنسان وهو جاهل بالحكم ؟
الشيخ : يعني ما يدري أنه حرام.
الطالب : لا، يعني نقول: إن هذه ترفع الإثم ، مثلا لو جامع إنسان جاهلا برمضان.
الشيخ : جاهلا الحكم وإلاّ؟
الطالب : جاهلا أن الجماع يفطّر.
الشيخ : يحسب أنّه حرام ولا يفطّر؟
الطالب : لا يعلم أنه حرام.
الشيخ : أو يحسب أنّه جائز؟
الطالب : يظنّ أنّه جائز.
الشيخ : هذا ما عليه شيء.
الطالب : ولا القضاء ؟
الشيخ : نعم على القاعدة، ما عليه قضاء ، قال: أنا أحسب الذي يفطّر هو الأكل والشّرب وأنّ الجماع ما فيه شيء قلنا : ما عليك شيء ، لأنّ أصلا هذا الإنسان ما تعمّد المعصية : (( وليس عليكم جناح في ما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم )) فإذا ارتفع عليه الإثم ارتفع موجبه.
الطالب : في باب التسمية يا شيخ !
الشيخ : هاه؟
الطالب : في باب وجوب التسمية! قلنا أن من نسيها يرفع عنه الإثم !
الشيخ : أي صحيح.
الطالب : لو صلّى مثلا وهو!
الشيخ : محدثا.
الطالب : محدثا هنا يرتفع عنه الإثم ولكن يلزمه إعادة الصّلاة.
الشيخ : نعم.
الطالب : كيف الجمع؟
الشيخ : الجمع بينهما يقول العلماء: إن فعل المأمور المطلوب إيجاد هذا الشّيء، ترك المحظور المطلوب التّخلّي عنه، وما دام هذا الإنسان باشر المحظور جاهلا أو ناسيا ما عليه شيء، ولا يستفيد .
والصّحيح أنّ الأكل والشّرب بالنّسبة للصّائم من باب ترك المحظور لأنّه ترك، طيب إذن زال الإشكال، ما دام حملناه على الجنس يعني أو النّوع، أو على بيان السّبب فما الحكم إذن بالنّسبة لجعفر وحاجمه حسب القواعد العامّة؟ أنّهما لا فطر عليهما، لأنّهما لا يعلمان إذ يبعد من حالهما أن يعلما أن ذلك محرّم ثمّ يُقدما عليه.
طيب ويستفاد من هذا الحديث إذا صحّ: جواز النّسخ في الأحكام، يعني أنّ الله عزّ وجلّ يغيّر الأحكام من حكم إلى آخر كذا؟ وهذا ثابت بالقرآن والسّنّة والإجماع، إلاّ أنّ أبا مسلم الأصفهاني -رحمه الله- ما هو الخراساني القائد المعلروف في بني العبّاس، الأصفهاني يقول: إنّ النّسخ ليس بجائز، ويحمل ما ورد على ذلك على أنّه تخصيص، وكيف التّخصيص؟
قال: لأنّ الحكم الأصل أن يثبت في جميع الزّمان، من أوّل ما شرع إلى يوم القيامة، هذا الأصل، طيب إذا نسخ فمعناه رُفع الحكم في ما بقي من زمنه، فيكون ذلك تخصيصا باعتبار الزّمن، وليس باعتبار آحاد العاملين.
فمثلا إذا كان هذا الحكم: (( حرّمت عليكم الميتة )) إلى متى؟
الطالب : إلى يوم القيامة.
الشيخ : إلى يوم القيامة، جاء حكم برفع هذا التّحريم مثلا، نقول: الآن بقيّة الزّمن الذي بعد النّسخ حصل فيه التّخصيص، والحقيقة أنّ هذا مع مذهب الجمهور خلاف لفظيّ، وكان الواجب أن نقول: إنّه نسخ كما قال الله عزّ وجلّ، ليش ما نقول نسخ؟!! نعم.
أمّا اليهود فيذكر عنهم أنّهم يمنعون النّسخ، ولهذا يكذّبون بعيسى ومحمّد عليهما الصّلاة والسّلام ما فيه نسخ، ولكنّ الله ردّ عليهم بقوله: (( كلّ الطّعام كان حلاّ لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تزّل التّوراة )) إذن ففيه نسخ أو لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : فيه نسخ ، وعلى كلّ حال النّسخ ثابت.
لكن إذا قال قائل: ما هي الحكمة من النّسخ، إن كان الخير في النّاسخ فلماذا لم يثبت من الأوّل، وإن كان الخير في المنسوخ فلماذا نسخ؟
فالجواب: أنّ الخير أمر نسبيّ، قد يكون الشيء خيرا في هذا الزّمن وغيره خير منه في زمن آخر أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : وحينئذ يكون الخير في النّسخ والمنسوخ، المنسوخ إبّان بقاء حكمه إيش؟
الطالب : هو الخير.
الشيخ : هو الخير، وبعد أن نسخ فالخير في بدله، وحينئذ لا يقال: إنّ قولكم بالنّسخ قدحٌ في علم الله أو في حكمته، لأنّ اليهود يدّعون هذا، اليهود يقولون : إذا جوّزتم النّسخ جوّزتم البداءة على الله وهو العلم بعد الجهل نقول: قاتلكم الله أتنكرون ما ثبت ودلّ العقل على إمكانه وأنتم تقولون: يد الله مغلولة، وأنّ الله فقير!! نعم، شوف التّناقض؟!
فنقول: إنّ الله سبحانه وتعالى عليم بلا شكّ وعلمه سابق على وجود الأشياء، وحكيم وحكمته من صفاته الأزليّة الأبديّة نعم، لكن يعلم عزّ وجلّ أنّ هذا الحكم خير في زمنه وأنّ بدله خير في زمنه، وهذا شيء معلوم، ولا حاجة إلى الأمثلة.
إذن نقول: في هذا الحديث الذي معنا دليل على جواز النّسخ، وهو ثابت بالقرآن بقوله تعالى: (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )) وفي قوله تعالى: (( فالآن باشروهنّ )) ، وقبل الآن؟
الطالب : ممنوع.
الشيخ : ممنوع، وفي قوله: (( الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين )) الآن، وقبل: (( إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ))، هذا أيضا دليل على النّسخ.
(( سنقرؤك فلا تنسى إلاّ ما شاء الله )) هذه أيضا استدلّ بها بعض العلماء على جواز النّسخ، ما شاء الله أن ينساه حتى يرتفع حكمه فعل.
وأمّا السّنّة فكثير: ( كنتم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) ، ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في الدّبّاء فانتبذوا فيما شئتم غير أن لا تشربوا مسكراً ) ( كنت نهيتكم ) إيش؟
الطالب : ( عن ادّخار لحوم الأضاحي ).
الشيخ : ( عن ادّخار لحوم الأضاحي فادّخروا ما شئتم )، والأمثلة على هذا كثير، ممّا يدلّ على جواز النّسخ .
والحكة تقتضيه، لأنّ النّاس في ابتداء الشّريعة ليسوا كالنّاس عند كمال الشّريعة، تقبّلهم للشّيء بعد كمال الشّريعة ورسوخ الإيمان في قلوبهم أكثر من تقبّلهم في أوائل الشّريعة، ولهذا جاءت الشّريعة متطوّرة حسب أحوال المشرّع لهم، نعم وش تقول يا؟