قراءة من متن الزاد تحت باب الذكاة وشرح الشيخ عليه حفظ
الشيخ : ولهذا هي الشحم المتغير المنتن الذي يسمى عندنا : المحذر ، لأنه متغير لكنه يعقد الطعام ويفيد فيه.
طيب وثبت أيضا في الصحيح : ( أن عبد الله بن المغفل أخذ جرابا من اللحم والشحم رمي به في خيبر، فأخذه فالتفت وإذا النبي صلى الله عليه وسلم وراءه يضحك ) وهذه سنة إقرارية.
فإن قلت: أفلا يمكن أن يكون الذابح مسلما ؟
وأنا أريد أن أمنع الاستدلال بالسنة أما القرآن فظاهر، لكن لو قال قائل : الرسول نعم أجاب دعوة هؤلاء اليهود وأكل من اللحوم التي أهدوها لكن لعل الذابح مسلم ؟
نقول: هذا احتمال بعيد، وخلاف الظاهر، ولو كان لا يحل ما قدموه للرسول عليه الصلاة والسلام إلا بتذكية مسلم، ولكان الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل عنه حينئذٍ، لأن الأصل فيما بأيديهم أنهم هم الذين ذبحوه.
طيب هل يشترط أن يكون الكتابي هذا أبواه كتابيان ؟
الصحيح : أنه لا يشترط أن يكون أبواه كتابيين، وأن لكل إنسان حكم نفسه، فلو قدر أن الأب شيوعي أو وثني وأن ابنه اعتنق دين اليهود مثلا أو النصارى فإن ذبيحته حينئذ على القول الراجح حلال، لأنه داخل في عموم قوله تعالى : (( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم )) .
قوله : " ولو مراهقاً " : المراهق من قارب البلوغ، فظاهر كلام الماتن أن المميز - الذي دون المراهقة- لا تحل ذبيحته، ولكن المذهب خلاف ذلك، وأن المميز تحلّ ذبيحته، لأنه عاقل يصح منه القَصْد، فتحل ذبيحته.
من المميز ؟
قيل: مَن بلغ سبع سنين، وقيل: من فهم الخطاب وردَّ الجواب، وهذا القول هو الراجح، ولكن الغالب أن ذلك يحصل في تمام سبع سنوات.
ومَنْ ميَّز قبل ذلك فإنه يعتبر خارجاً عن الغالب، ومن تأخر تميزه عن ذلك فهو أيضاً خارج عن الغالب، فالغالب أن السبع وما قاربها نزولاً أو علوّاً يكون بها التمييز.
" أو امرأة " :
امرأة فتحل ذبيحتها؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم ، لعموم قوله تعالى: (( إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ )) ، والخطاب يشمل الرجال والنساء.
ولأن: جارية كانت ترعى غنماً للأنصار بسلع، فأصاب الموت واحدة من الغنم، فأخذت حجراً فذبحتها به، فأجاز النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك وهي جارية امرأة.
وقول المؤلف: " أو امرأة " : هذا إن كان فيه خلاف فهو خلاف ضعيف، وإلاَّ فإنه رفع للتوهم.
طيب وقوله: " أو امرأة " : يشمل الطاهرة والحائض، أو لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، فحتى لو كانت حائضاً فإن ذبيحتها تحل، طيب من شرط الحل التسمية كيف وهي حائض ؟
الطالب : الحائض تذكر الله.
الشيخ : إي الحائض لها أن تذكر الله وتسمي، بل إن منعها من قراءة القرآن في النفس منه شيء، لأنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ليس في منع الحائض من قراءة القرآن سنة صحيحة صريحة " .
طيب : " ولو امرأة أو أقلف " :
أقلف: هو الذي لم يختن، أي: لم تؤخذ قُلفته، فتحل ذبيحته، وأشار المؤلف إلى ذلك، لأن بعض العلماء يقول: إن الأقلف لا تصح ذبيحته، ولا تؤكل، لكن هذا ليس بصواب، والصواب أن ذبيحته حلال، وأنها لا تكره، ولا علاقة بين القُلفة وبين الذبح.
" أَوْ أَعْمَى " : كذا عندكم ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم كذلك لو كان المذكي أعمى فلا بأس إذا عرف موضع الذبح، وأصابه فلا بأس بذلك.
" وَلاَ تُبَاحُ ذَكَاةُ سَكْرَانَ " : لماذا ؟
الطالب : لأنه غير عاقل.
الشيخ : لأنه غير عاقل، وليس له قصد.
ولا تباح ذكاة مَجْنُون ، لفقد العقل.
ولا ذكاة وثني : وهو من يعبد الأوثان، لأنه ليس بمسلم ولا كتابي، فالذي يعبد وثناً، أو ملكاً، أو نبياً ما تصح ذكاته.
طيب والذي يعبد الله لكن يدعو النبي صلّى الله عليه وسلّم ؟
أيضاً لا تصح ذكاته لأنه وثني، وكذلك الذي يعبد الله ويدعو ولياً فإنه لا تحل ذبيحته.
ولهذا المسألة هذه مشكلة، لأنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية قوم يدعون القبور والأموات، ويستغيثون بهم، حتى وإن كانوا بعيدين عنهم، تجده يدعو الولي، أو يدعو النبي عليه الصلاة والسلام يقول : يا محمد، أو يدعو علي بن أبي طالب يقول: يا علي، أو الحسن، أو الحسين، وما أشبه ذلك، وهذا شرك، فمن كان كذلك فإن ذبيحته لا تحل لأنه مشرك، ولو كان يعبد الله بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ )) ، فالشرك لا يغفره الله لا حكماً ولا جزاء.
وبناء على ذلك فإن المشرك لا تصح منه عبادة، ولا يصح منه أي عمل يشترط له الإسلام.
طيب : " وثني ومَجوسيٍّ " : المجوسي الذي يعبد النار، وعطفه على الوثني من باب عطف الخاص على العام، لأنه في الواقع يعبد الوثن لكنَّ وثنه نار، فالمجوس الذين يعبدون النار لا تصح ذبيحتهم، وإنما نص عليه -رحمه الله-، لأن المجوس تؤخذ منهم الجزية كأهل الكتاب، لكن لا تحل ذبائحهم بإجماع العلماء، إلاَّ أنه يُروى عن أبي ثور أنه أباح ذبائح المجوس قياساً على أخذ الجزية منهم.
والصواب أن أخذ الجزية منهم لا لأنهم مجوس، ولكن لأن جميع الكفار إذا بذلوا الجزية وجب الكف عن قتالهم، سواء كانوا من أهل كتاب، أو من المجوس، أو من الوثنيين، أو غيرهم.
لكن نص على المجوس لما أشرت إليه، لئلا يقول قائل: إنهم أهل ذمة فتجوز ذبائحهم؟
فنقول : لا، ولهذا لا تجوز ذبائحهم ولا تجوز مناكحتهم.
" ومرتد " : مرتد عن إيش ؟
عن الإسلام، بأي نوع من أنواع الردَّة، فمن كذَّب خبراً مِن أخبار الله مع علمه أنه من خبر الله فهو مرتد، لا تحل ذبيحته، ومن جحد وجوب الفرائض الظاهرة المجمع عليها فهو مرتد، لا تحل ذبيحته، ومن سخر بشيء من الدين فهو مرتد، بل من كره شيئا من الدين فهو مرتد ، من كره شيئا مما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم أو شيئا منه فهو مرتد، قال تعالى: (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )) ، ولا يحبط العمل إلاَّ بالردة، قال تعالى: (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )) ، (( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ )).
طيب تارك الصلاة ؟
الطالب : مرتد .
الشيخ : مرتد إذن لا تحل ذبيحته، طيب وعلى قول من يقول: إنه لا يكفر تحل ذبيحته، تحل ذبيحته على قول من يقول: إنه لا يكفر.
طيب ذبح تارك الصلاة هذه الذبيحة، ودعا إليها رجلين، أحدهما يقول: إن تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، لأنه مرتد، والثاني يقول: تحل، لأنه غير مرتد، كيف نعمل بالذبيحة من يأكلها ؟
الطالب : يأكلها من لا يكفره.
الشيخ : يأكلها من لا يكفِّره، ومن كفَّره لا يأكلها.
نعم لو أن من يقول بعدم ردته يترك أكلها تعزيراً له وهجراً لما عمل لعله يرتدع، فلو فعل ذلك لكان خيراً، إنما الحرام ما يحرم عليه.
طيب انتهى الكلام على الشرط الأول: أهلية المذكي ويكون ذلك في أمرين العقل والدين.
أما العقل فيتفرع عنه شرطان : شرط متفق عليه وشرط مختلف فيه :
الشرط المتفق عليه : هو قصد التذكية ، والمختلف فيه : قصد الأكل.
أما الثاني: وهو الدين فإنه يباح ذكاة المسلم واليهودي والنصراني .
شكك بعض الناس في عصرنا بحل ذبيحة اليهودي والنصراني اليوم وقال: إنهم اليوم لا يدينون بدين اليهود ولا النصارى، وهذا ليس بصواب.
نعم إن قالوا : نحن لا ندين بهذه الأديان ولا نعتبرها دينا فإن ردتهم واضحة ، أما إذا قالوا : إنهم يدينون بها ولكن عندهم شرك فإن ذلك لا يمنع ، بدليل : أن الله تعالى أنزل سورة المائدة وحكى فيها عن النصارى ما حكى من القول بالتثليث وكفرهم بذلك ، فقال: (( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة )) وفي نفس هذه السورة قال: (( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم )) ، فالقرآن نزل بعد أن غيروا وبدلوا ، بل بعد ما كفروا ومع ذلك أحل ذبائحهم ونساءهم، وعلى هذا فما دام هؤلاء الآن يقولون : إنهم يدينون بدين النصارى أو اليهود فإن لهم حكم اليهود والنصارى ولو كان عندهم تبديل وتغيير، ما لم يقولوا إنهم مرتدون ولا يقبلونه فهذا شيء آخر.
لو ذبحها على خلاف شرعه لكن على وفاق الشرع الإسلامي ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ها ؟
الطالب : على خلافهما يا شيخ ؟
الشيخ : على خلافهما جميعا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : هذه معروف أنها لا تحل ما في إشكال .