تتمة فوائد حديث ( من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب ...). حفظ
الشيخ : على كلّ حال الفائدة الأولى: أنّ النّسيان من طبيعة البشر نعم، وهذا معروف.
ثانيًا : بيان رحمة الله عزّ وجلّ بترك المؤاخذة على النّسيان، فإنّ هذا من رحمة الله، لأنّه لمّا كان النّسيان من طبيعة البشر عفا الله عنها.
ثالثًا -أو نقول من الفوائد عشان ما نغلط في الحساب- :
من فوائد الحديث: أنّ فعل المحظور مع النّسيان لا يترتّب عليه شيء، وذلك لأنّ مفسدة المحظور بفعله، فإذا انتفت المفسدة بالنّسيان لم يبق هناك أثر لهذا المحظور، بخلاف المأمور، فإنّ ترك المأمور ناسيا لا يسقطه، ولهذا قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في من نسي الصّلاة: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها لا كفّارة لها إلاّ ذلك ) ، لأنّ فعل المأمور لا تزول مفسدة تركه بالنّسيان، إذ يمكن تداركه وإزالة هذه المفسدة في قضائه.
ولهذا القاعدة المقرّرة عند عامّة الفقهاء : " أنّ ترك المأمور لا يعذر فيه بالنّسيان والجهل، بل لا بدّ من قضائه، وإن كان الإثم يسقط، وأمّا فعل المحظور فيعذر فيه بالجهل والنّسيان " ، عرفتم؟
إلاّ أنّه يرد علينا أنّ هناك أشياء من المأمورات أسقطها الشّارع بالجهل، مثاله: المرأة التي قالت للنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّي أستحاض فلا أطهر ) : ومعنى ذلك أنّها لا تصلّي، نعم، والمستحاضة يجب عليها الصّلاة وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم تجب عليها الصّلاة، ولم يأمرها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقضائها، مع أنّها تركت المأمور لكن تركته جهلا.
مثال آخر: عمّار بن ياسر بعثه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حاجة فأجنب وليس عنده ماء، فجعل يتمرّغ في الصّعيد كما تتمرّغ الدّابّة، نعم ثمّ جاء للنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فأخبره فقال: ( إنّما كان يكفيك أن تقول هكذا ) وذكر التّيمّم ، ولم يأمره بإعادة ما سبق.
ثالثًا: الرّجل الذي رآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أحد أسفاره لم يصلّ معتزلا القوم فسأله؟ قال : ( أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصّعيد فإنّه يكفيك ) ، فهذا أيضا يدلّ على أنّ الجاهل بالمأمور لا يؤمر بالإعادة، مع أنّ النّسيان إن كان في المأمور أمر فيه الشّارع بالإعادة، قال: ( من نام عن صلاته أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها ) ، فظاهر السّنّة التّفريق في باب المأمور بين الجهل وبين النّسيان، فما هو الجواب عن هذا الظّاهر؟
الجواب أن يقال: أما في مسألة المستحاضة التي كانت تترك الصّلاة وهي مستحاضة والمستحاضة تجب عليها الصّلاة فلأنّها معذورة لأنّها تأوّلت، كيف التّأوّل؟
كانت على أصل، فالأصل ما هو؟
أنّ كلّ دم فهو حيض، فهي بنت على أصل، فتكون كما لو أخطأ المجتهد في تأويله، ما نقول إنّ اجتهادك الثّاني ينقض الاجتهاد، أو علمك بالدّليل بعد اجتهادك ينقض اجتهادك.
وكذلك نقول في قضيّة عمّار بن ياسر، لأنّ عمّار بن ياسر رضي الله عنه استعمل القياس، الذي يغتسل من الجنابة ماذا يطهّر؟ هاه؟
الطالب : جميع البدن.
الشيخ : جميع بدنه، هذا الرّجل اجتهد وقام يتمرّد في الصّعيد كما تتمرّغ الدّابّة قال : الآن التّراب وصل إلى جميع البدن وهذا قياس، إذن هو متأوّل وإلاّ غير متأوّل؟
الطالب : متأوّل.
الشيخ : متأوّل طيب.
قصّة الرّجل الذي قال: ( أصابتني جنابة ولا ماء ) ، يقول: من الذي قال أنّ هذا الرّجل كان عليه صلوات سابقة؟
قد يكون لم يفته إلاّ هذه الصّلاة، ولما قال له الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( عليك بالصّعيد فإنّه يكفيك ) فإنّه سوف يتيمّم ويصلّي، هذا هو المعروف، ثمّ نقول: أيضا الرّجل هذا بعد أن جاء الماء إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، بعد أن جاء واستقى النّاس وشربوا وسقوا الإبل وبقي بقيّة قال للرّجل: ( خذ هذا فأفرغه على نفسك ) يعني اغتسل به، لأنّ التّيمّم ما يرفع الحدث إلاّ رفعا مؤقّتا، ما دام الإنسان لم يجد الماء فإذا وجده عاد عليه الحدث، فهذا هو الجواب عمّا ذكر.
وإلاّ فإنّ الأصل أنّ فعل المأمور لا بدّ منه، لكنّ بعض أهل العلم رحمهم الله قال: إنّه إذا كان ذلك المأمور أشياء كثيرة شاقّة على الإنسان، وأنّه بانٍ على أصل، يعني: ما علم توّه ناشيء في الإسلام ولا يدري أنّ الصّلاة واجبة مثلا حديث عهد بالإسلام ولم يعلم أنّ الصّلاة واجبة فترك الصّلاة مدّة طويلة فإنّ هذا لا يؤمر بإعادة الصّلاة، أو لا يؤمر بقضاء الصّلاة، أو بإعادة ؟
الطالب : القضاء.
الشيخ : القضاء إي نعم، لأنّ الإعادة ؟
الطالب : أعادها.
الشيخ : صلاها ثم أعادها، طيب.
الطالب : كالمسيء يا شيخ؟
الشيخ : نعم، وكذلك المسيء في صلاته يقولون: إنّ المسيء في صلاته أنّه كان ليس في المدينة ولا يعلم والصّلوات كثيرة.
السائل : سمعنا يا شيخ من أهل العلم من يفتي أنّ من ترك الصّلاة عمدًا سنين طويلة فلا يعيد فما وجه ذلك؟
الشيخ : هذا صحيح إذا تركها مع علمه بوجوبها لأنّ القاعدة: " أنّ كلّ عبادة مؤقّتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها فهي لا تُقبَل منه " ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم وجماعة من أهل العلم، قالوا: الصّلاة المؤقّتة إذا تعمّدت أن تتركها ثمّ أردت أن تقضيها ما يصخّ.
السائل : يعني بناء على كفره؟
الشيخ : لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) ، وكما أنّها لا تقبل قبل الوقت فلا تقبل أيضا بعد الوقت.