وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه ، حتى نظر الناس إليه ، ثم شرب فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام . فقال : أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) . وفي لفظ : فقيل :( إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت . فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ). رواه مسلم . حفظ
الشيخ : نبدأ الدّرس الجديد:
قال: " وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ) " :
خرج عام الفتح : عام الفتح : ظرف منصوب على الظّرفيّة لأنّه مفعول فيه، وش معنى مفعول فيه؟
أي: أنّ الفعل واقع فيه، فكلّ اسم زمان أو مكان يدلّ على أنّ الفعل واقع فيه فإنّه يسمّى مفعولا فيه وينصب على الظّرفيّة.
وقوله: ( في رمضان ) : مبنيّ على الفتح لأنّ فيه العلميّة وزيادة الألف والنّون. ( فصام حتى بلغ كراع الغميم ) : كراع الغميم هذا وادٍ أمام عسفان سمّي بذلك لأنّه يشبه الكراع، فإنّ ما حوله فيه سواد.
( فصام النّاس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه ) : قدح أي: إناء يشرب به .
( حتّى نظر النّاس إليه ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) :
أولئك اسم إشارة مبني على الكسر في محلّ رفع مبتدأ، والعصاة خبره، وكرّرها بعد ذلك تأكيدًا، تأكيد لفظي وإلاّ معنوي؟
لفظي نعم .
وفي لفظ: ( إنّ النّاس قد شقّ عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت ) : إنّما هذه أداة حصر، يعني لا ينتظرون إلاّ في فعلك، ( فدعا بقدح من ماء ) إلى آخره.
( فيما فعلت ) : ما هذه يجوز أن يكون موصولا وعائدها محذوف تقديره؟
الطالب : فيما فعلته.
الشيخ : فيما فعلته، ويجوز أن تكون مصدريّة فيؤوّل ما بعدها بمصدر فتكون في فعلك.
وقوله: " ( فدعا بقدح من ماء بعد العصر - أي في آخر النّهار- فشرب ) رواه مسلم " :
يقول جابر : ( خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح ) : أي : عام فتح مكّة وذلك في رمضان بعد مضيّ أيّام منه ، خرج لقتال قريش ، لأنّهم نقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه في صلح الحديبية، حيث أعانوا حلفاءَهم على حلفاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا شكّ أنّ إعانة الحلفاء، حلفاءهم على حلفاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نقض للعهد.
نعم يقول: ( خرج إلى مكّة ) وذلك في السّنة؟
الطالب : الثّامنة.
الشيخ : الثّامنة من الهجرة.
( فصام ) يعني : فصام في سفره وذلك لأنّ الأفضل الصّوم في السّفر إلاّ أن يشقّ على الإنسان فالأفضل الفطر.
وقوله: ( حتى بلغ ) حتّى هذه غائيّة أي: إلى أن بلغ هذا المحلّ.
فلمّا بلغه وكان النّاس قد صاموا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولعلّ المراد أكثرهم، لأنّهم كانوا يسافرون مع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم منهم المفطر ومنهم الصّائم، ولكن شقّ الصّوم على النّاس، ولم يفطروا اقتداء بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم .
( فجيء إليه فقيل له: إنّ النّاس قد شقّ عليهم الصّيام وإنّهم ينتظرون ماذا يفعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ) ، لأنّه عليه الصّلاة والسّلام أسوتهم يقول: ( ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه ) يعني: طلب عليه الصّلاة والسّلام ماء ورفعه على بعيره حتى رآه النّاس.
( فشرب والنّاس ينظرون ) : تحقيقا لفطره، وليحملهم على التّأسّي به عليه الصّلاة والسّلام، فمن الناس من أفطر كما أفطر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن النّاس من بقي متعلّلاً بأنّ ذلك كان بعد صلاة العصر والزّمن قريب، ولكن بلغ ذلك النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ بعض النّاس قد صام بمعنى استمرّ على صيامه، فماذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في هؤلاء؟
قال: ( أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) العصاة هنا : هل هي جمع مؤنّث سالم أو هي جمع تكسير؟
الطالب : جمع تكسير.
الشيخ : جمع تكسير، ما الذي يمنع أن تكون جمعا مؤنّثا سالما؟
الطالب : الألف أصلية.
الشيخ : لأنّ الألف أصليّة وابن مالك يقول: " وما بتا وألفٍ قد جمعت "، وهذه ما جمعت بالألف والتّاء وإنّما جمعت بالصّيغة، لأنّ عصاة على وزن فُعَلَة ومفردها؟
الطالب : عاصٍ.
الشيخ : عاصٍ، نعم.
طيب إذن نقول: العصاة هنا ليست جمع مؤنّث سالم.
ومن ذلك كتبت التّاء بالهاء، ولو كانت جمعًا مؤنّثا سالما لكانت مفتوحة، نعم.
فقال: ( أولئك العصاة ) فما هي المعصية؟
المعصية مخالفة الأمر، وتارة تكون بترك الواجب، وتارة تكون بفعل المحرّم هذا إذا ذكرت وحدها، أمّا إذا قيل: طاعة ومعصية فالطّاعة في فعل الأمر والمعصية في فعل المنهيّ عنه.
فإن وجدت إحداهما شملت الأخرى.
وفي اللّفظ الثاني فيه بيان سبب فطر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : وهو أنّه إنّما أفطر من أجل مشقّة الصّوم على النّاس.