فوائد حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة ...). حفظ
الشيخ : طيب، ففي هذا الحديث فوائد كثيرة:
منها: جواز قتال أهل مكّة، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج لقتالهم، توافقون على هذا؟
الطالب : لا.
الشيخ : ما توافقون؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أي ما نوافق، صحّ، لا موافقة على هذا، لأنّ هذا الحكم نسخه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في اليوم الثاني من الفتح، فإنّه قام خطيبا عليه الصّلاة والسّلام في النّاس : وأخبر بأنّ مكّة حرام بحرمة الله منذ خلق السّماوات والأرض وأنّها لم تحلّ لأحد قبل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأنّها لم تحلّ للرّسول عليه الصّلاة والسّلام دائما وإنّما أحلّت له؟
الطالب : ساعة.
الشيخ : ساعة من نهار للضّرورة، وأخبر عليه الصّلاة والسّلام أنّها عادت حرمتها في ذاك اليوم الذي يخطب فيه كحرمتها بالأمس، يعني كانت حراما ثمّ أحلّت ثمّ حرّمت، فيكون النّسخ وقع عليها كم؟
الطالب : مرّتين.
الشيخ : مرّتين، ثمّ قال: ( إن أحد ترخّص بقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولوا: إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ) : جواب لأمر مفروض : ( إن أحد ) : فأخبروه بأنّ الله عزّ وجلّ الذي بيده الحكم أذن لرسوله ولم يأذن لكم. إذن قولنا إنّه يستفاد منها جواز القتال في مكّة صحّ وإلاّ لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : غير صحيح، لأنّ هذا خاصّ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم للضّرورة، وكان في هذا الإذن كان فيه من المصالح العظيمة ما يربو على مفسدته، وإلاّ قتال أهل مكّة في البلد الآمن ليس بالأمر الهيّن، لكن فيه من المصالح العظيمة ما يربو على هذه المفسدة، فإنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حرّر مكّة من الشّرك ومن حكم أهل الشّرك، وصارت البلد بلدًا إسلاميّا بعد أن كان بلد كفر وهذا أمر مهمّ.
طيب وفي هذا دليل على جواز الخروج للقتال في رمضان، لا يقول قائل: سنبقى حتى نفطر، بل نقول: متى دعت الحاجة إلى الخروج تخرج ولو في رمضان، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم خرج في رمضان، وفيه دليل على جواز الصّوم في السّفر، من أين يؤخذ؟
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صام، والنّاس معه أيضا، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله: فقال بعض العلماء:
إنّ الصّوم في السّفر، الصّوم الواجب لا يجزئ عن الصّوم المفروض، فإنّ الإنسان يحرم عليه أن يصوم في رمضان في السّفر، ولو فعل كان آثما ولا يجزئه وهذا مذهب الظّاهريّة، واستدلّوا بقوله تعالى: (( ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أُخَر )) أي: فعليه عدّة، وعليه فيكون صومه قبل أن يرجع من سفره كالصّوم في شعبان، لأنّه صام في غير الوقت الذي يلزمه الصّوم فيه، نعم ولكنّ جمهور أهل العلم على خلاف قولهم، بل قالوا: إنّ الصّوم جائز والفطر جائز، ولا ريب أنّ هذا القول هو المتعيّن، لأنّ السّنّة دلّت عليه.
والآية الكريمة فيها تقدير، ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر فعدّة من أيّام أخر، هذا يتعيّن، لأنّ فعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في أسفاره وصومه يفسّر الآية الكريمة.
ثمّ القائلون بالجواز اختلفوا، فمنهم من قال: الأفضل الصّوم، ومنهم قال: الأفضل الفطر، ومنهم من قال: هما سواء:
فالذين قالوا الأفضل الصّوم علّلوا قولهم هذا بوجوه:
الوجه الأوّل: أنّ هذا فعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، فإنّه صام ولكنّه لما شقّ على النّاس الصّيام أفطر مراعاة لهم، بدليل أنّه صلوات الله وسلامه عليه دعا بالقدح من الماء ورفعه والنّاس ينظرون، لأنّه لولا أنه يريد أن يفطر النّاس لكان بإمكانه أن يفطر بدون أن يرفع الإناء.
ولأنّ أبا الدّرداء رضي الله عنه قال: ( كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في يوم شديد الحرّ في رمضان حتى إنّ أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ وما فينا صائم إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة ) : الحرّ شديد، الإنسان من شدّة الحرّ يضع يده على رأسه، نعم، لكن كان النّاس مفطرين، ولم يفطر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، بل كان صائمًا، لأنّه لا داعي للفطر في هذه الحال أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : كان أفطر كما في حديث جابر من أجل الناس، لكن لما كان النّاس مفطرين في حديث أبي الدّرداء لم يفطر، بقي على صومه صلوات الله وسلامه عليه مع شدّة الحرّ، إذن هذه علّة.
العلّة الثانية: أنّه أسرع في إبراء الذّمّة، لأنّك إذا صمت في الشّهر برئت ذمّتك من الصّوم، فإذا لم تصم بقي الصّوم عليك دينًا، ثمّ قد تتكاسل وتتهاون حتى يأتي رمضان الثاني كما هو الواقع الآن، أتصدّقون أنّ بعض الناس يسألون في آخر يوم من شعبان يقول: عليّ صوم يوم من رمضان، أصوم بكرة وهو الثّلاثين من شعبان نعم؟
طيب، مضى عليه أحد عشر شهرًا وشتاء قصر نهار وبرودة ويخلّيه إلى الثّلاثين من شعبان المشكوك فيه، ربّما يكون من رمضان، شوف كيف الإنسان يسوّل له الشّيطان.
فإذا صام الإنسان الشّهر في وقته صار ذلك أسرع في إبراء ذمّته.
ثالثًا: أنّه أيسر له، لأنّ هذا مشاهد، وهو أنّ الإنسان إذا صام مع النّاس صار أيسر له، تجد الرّجل يصوم رمضان مع النّاس ثلاثين يوما وهي عنده كيوم واحد، لكن إذا بقي عليه يومان قضاء صارت كأنّها شهران، فإذن تيسير العبادة على الإنسان لا شكّ أنّه مراد للشّارع ولا سيما وأنّ قوله تعالى: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) جاءت في أيّ آيات؟
الطالب : آيات الصّيام.
الشيخ : في آيات الصّيام، من أجل هذه الأمور الثّلاثة قالوا: إنّ صوم الإنسان في رمضان أفضل في السّفر.
والذين قالوا: إنّ الفطر أفضل ويكره الصّوم وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-، القول الثاني: أنّ الفطر أفضل وأنّ الصّوم مكروه، وهذا مذهب الحنابلة -رحمهم الله-، وعلّلوا ذلك بأنّ هذا رخصة من الله وكرم، والإنسان لا ينبغي له أن يردّ الرّخصة والكرم، لا ينبغي له أن يردّها لأنّ ردّ كرم الكريم غير محبوب إلى النّفوس، وغير لائق من حيث الأدب، ولهذا لما سأل عمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى: (( فإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا )) فقال: ( يا رسول الله كيف نقصر ونحن آمنون؟ قال: صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) ، شوف كلمة : ( اقبلوا صدقته ) معناه : أنّنا مأمورون بأخذ الرّخص وأنّ الذي ينبغي لنا أن نأخذ برخص الله عزّ وجلّ وأن لا نشدّد على أنفسنا، عرفتم؟ فقالوا: ما دامت رخصة فإنّ الأولى الأخذ بها، وأن لا نردّ فضل الله وكرمه وإحسانه، بل نقبله، والله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبده بنعمة فإنّه يحبّ أن يرى أثر نعمته عليه.
وأيضا فإنّنا نراعي بذلك أو نتحاشى بذلك قول بعض علماء المسلمين وهو: أنّ الإنسان إذا صام لا يقبل منه صومه، ولا تبرأ به ذمّته، فنحن نؤخّره لنصومه قضاءً ونحن إذا صمناه قضاءً أجزأ عنّا ذلك بإجماع المسلمين، ظاهريّهم وقياسيّهم، وإذا صمنا في رمضان قال لنا بعض علماء المسلمين: إنّ صومكم؟
الطالب : غير صحيح.
الشيخ : غير صحيح وغير مقبول، فإذن نراعي هذا الخلاف من علماء المسلمين ونؤخّر الصّوم ونجعله قضاء أعرفتم؟
طيب وأمّا الذين قالوا بالتّخيير على السّواء: فاستدلّوا بحديث أنس رضي الله عنه قال: ( كنّا نسافر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمنّا الصّائم ومنّا المفطر فلم يعب الصّائم على المفطر ولا المفطر على الصّائم ) : إذن المسألة ما فيها لوم على من صام ولا على من أفطر، وهذا يدلّ على التّخيير، ولكننا إذا رجعنا إلى النّظر بين هذه الأقوال الثّلاثة.