وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليه ) . رواه الدار قطني والحاكم وصححاه . حفظ
الشيخ : " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( رُخّص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه ). رواه الدار قطني والحاكم وصححاه " :
قوله رضي الله عنه: ( رُخّص ) : إذا قال الصّحابيّ هكذا بالبناء للمجهول فإنّ الفاعل هو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وإذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك بالبناء للمجهول فإنّ الفاعل هو الله عزّ وجلّ.
وعلى هذا فيكون مثل هذا الحديث حديث ابن عبّاس : رُخّص يكون من باب المرفوع حكماً ، لا نجعله صريحاً ، لأنّه لم يصرّح بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو الذي رخّص، ولم يجعله موقوفاً لأنّه لم يقله من عند نفسه بل قال: ( رُخِّص ).
فإن قال قائل: أفلا يجوز أن يكون ابن عبّاس رضي الله عنهما فهم ذلك اجتهادا، وحينئذ يكون موقوفا لا مرفوعا؟
فالجواب: أنّ مثل هذا لا يقع بهذا الجزم فيقول: ( رُخِّص ) إلاّ مقرونا بالدّليل في الغالب، على أنّه روي عنه رضي الله عنه أنّ قوله تعالى: (( كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون * أيّاما معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر * وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) : قال: " إنّها ليست بمنسوخة إنّما هي في الشّيخ والشّيخة لا يستطيعان الصّوم يفطران ويطعمان عن كلّ يوم مسكينا " ، لكن هذا الإجتهاد منه رضي الله عنه ليس في محلّه ، لأنّه ثبت في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في الصّحيحين أنّها منسوخة ، وأنّ أوّل ما فرض الصّوم كان النّاس بالخيار ، ثمّ تعيّن الصّوم .
لكن قد يقال : إنّ لكلام ابن عبّاس رضي الله عنه وجها وهو أنّ الله تعالى جعل الإطعام عديلا للصّوم ، والإنسان مخيّر فيه بينهما، فإذا تعذّر الصّوم حلّ محلّه عديله وهو الإطعام ، فيكون هذا من الاجتهاد الموفّق للصّواب.
وقوله رضي الله عنه: ( رُخِّص للشّيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ) : تقدّم لنا معنى الرّخصة وأنّها السّهولة في الأمر، وأنّ الشّرع موافق للغة في ذلك.
وقوله: ( يفطر ويطعم عن كلّ يوم مسكينا ) : فإذا كان الشّهر ثلاثين يوما أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشّهر تسعة وعشرين أطعم تسعة وعشرين مسكينا.
وقوله: ( ولا قضاء عليه ) : لأنّ القضاء في حقّه متعذّر أو متعسّر وحينئذ يكون الإطعام بدلا عن الصّوم.
يطعم عن كل يوم مسكين هل تشمل المسكين أو الفقير؟
الطالب : يشملهما.
الشيخ : يشملهما جميعا ، لأنّه سبق لنا أنّ مثل هذا الكلمة إذا قرنت بما يماثلها أو إذا قرنت بالفقير فالمراد بها من دون الفقير، وإذا انفردت عمّت، فيكون هذا من باب الكلمتين: " إذا افترقتا اتّفقتا، وإذا اجتمعتا افترقتا " ، نعم .
وقوله: ( يطعم عن كلّ يوم مسكينا ) لم يقدّر الإطعام فيتناول أو يشمل كلّ ما يسمّى إطعاما، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه لما كبر كان يصنع طعاما ويدعو إليه ثلاثين فقيرا يأكلون، فعليه إذا غدّا المساكين أو عشّاهم أجزأه، لأنّه يصدق عليه أنّه أطعم عن كلّ يوم مسكينا.
طيب وعن أبي هريرة رضي الله عنه .
الطالب : الفوائد.