وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً ). متفق عليه ، واللفظ لمسلم . حفظ
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
فيما مرّ علينا أنّه يسنّ صيام ثلاثة أيّام على التّعيين.
قال: " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفا ) متفق عليه، واللفظ لمسلم " :
قوله صلّى الله عليه وسلّم ( ما من عبد يصوم يوما ) :
كلمة عبد يراد بها العبوديّة العامّة الشّاملة للمؤمن والكافر، ويراد بها العبوديّة الخاصّة بالمؤمنين، ويراد بها عبوديّة أخصّ للرّسل.
فمن الأوّل: أي العبوديّة العامّة قوله تعالى: (( إن كلّ من في السّماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدًا )) فهذه العبوديّة عامّة، ولا يمكن أحدًا أن يستكبر عنها، كلّ النّاس خاضعون لها، لأنّها عبوديّة كونيّة، لا أحد يستطيع أن يردّ المرض عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردّ الجوع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردّ الموت عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردّ الحوادث والمصائب عن نفسه، هذه عبوديّة عامّة وهي العبوديّة الكونيّة المتعلّقة بقدر الله عزّ وجلّ. عبوديّة خاصّة وهي: عبوديّة التّذلّل لله تعالى بالطّاعة، وهذه العبوديّة عبوديّة شرعيّة، يعني: التّذلّل للشّرع، وهذه تكون لمن؟
للمؤمنين، وهذه تكون للمؤمنين.
ومنها عبوديّة أخصّ وهي: عبوديّة الرّسل.
مثال عبوديّة المؤمنين: قوله تعالى: (( وعباد الرّحمن الذين يمشون على الأرض هوناً )) هذه عبوديّة خاصّة بالمؤمنين.
عبوديّة الرّسل: (( سبحان الذي أسرى بعبده ))، (( واذكر عبادنا إبراهيم ))، (( واذكر عبدنا أيّوب )) وما أشبه ذلك، وهذه أخصّ من التي قبلها.
طيب قوله تعالى: (( وما ربّك بظلاّم للعبيد )) من العامّة أو من الخاصّة؟
الطالب : من العامّة.
الشيخ : من العامّة، يعني لا يظلم هؤلاء، ولا هؤلاء، طيب .
( ما من عبد يصوم )؟
الطالب : خاصّة.
الشيخ : من العبوديّة الخاصّة، ليش؟
الطالب : للمؤمنين.
الشيخ : لأنّ غير المؤمن لا يصحّ منه الصّوم، فإنّه لا تجتمع العبادة مع الكفر، بل الكفر إذا ورد على العبادة واستمرّ إلى الموت أبطلها كما قال تعالى: (( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فألئك حبطت أعمالهم )) .
طيب وقوله: ( يصوم يوما في سبيل الله ) : يوما هذه ظرف، مفعول فيه أو مفعول به؟
الطالب : مفعول به.
الشيخ : مفعول به، لوقوع الفعل عليه.
والمفعول فيه هو: الذي يقع فيه الفعل، تقول مثلا: زارني يومًا واحدًا هذا مفعول فيه وإلاّ به؟
الطالب : مفعول به.
الشيخ : زارني يوما واحدا؟
الطالب : مفعول فيه يا شيخ.
الشيخ : مفعول فيه واضح، نعم، هذه مفعول فيه، يعني زارني في يوم.
طيب أمّا صمت يوما واحدا، فإنّ اليوم يصام، كما تقول: صمت شهرا.
قال الله تعالى: (( فصيام شهرين )) صارت مضافا إليها ، (( فصيام شهرين ))، فهناك فرق بين المفعول به والمفعول فيه:
المفعول فيه هو الذي يقع فيه الفعل، والمفعول به هو الذي يقع عليه الفعل.
نعم وقوله عليه الصّلاة والسّلام: ( في سبيل الله ) هل المراد في شريعة الله، أو المراد في سبيل الله أي: في الجهاد في سبيل الله؟
الطالب : في الجهاد .
طالب آخر : محتمل.
الشيخ : نعم هو يحتمل المعنيين ، ولننظر أيّهما أرجح :
فيحتمل أن يكون المراد في سبيل الله أي : في شريعة الله ، ويكون في هذا تنبيه على الإخلاص والمتابعة ، لأنّ العمل لا يكون في سبيل الله إلاّ إذا جمع بين الإخلاص والمتابعة، نعم طيب.
ويحتمل أن يكون المراد في سبيل الله أي : في الجهاد في سبيل الله ، لأنّ الصّوم في هذه الحال دليل على قوّة رغبة الإنسان فيه، فيمتاز بزيادة الأجر، أمّا كونه يقع خالصًا لله متّبعا فيه للرّسول صلّى الله عليه وسلّم في أيّ مكان وفي أيّ زمان فهذا شرط للعبادة على كلّ حال، حتى لو لم يقل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في سبيل الله فإنّ من صام لا لسبيل الله فلا أجر له، فالذي يظهر أنّ المراد في سبيل الله يعني: الجهادَ في سبيل الله.
السائل : بأي قرينة؟
الشيخ : نعم؟
السائل : بأيّ قرينة؟
الشيخ : القرينة لأنّ الأصل أنّه إذا أطلق الصّوم الشّرعيّ فهو الذي يكون في سبيل الله، وحينئذ يكون التّقييد ضعيفا، أمّا إذا قيّدناه فإنّه لا بدّ أن يفيد معنىً قويّا مفيدًا أكثر من الإطلاق وهو الظّاهر أنّ في سبيل الله هو الجهاد في سبيل الله.
ولكن يشترط لذلك أن لا يكون مخالفاً للشّرع، فإن كان مخالفا للشّرع فلا شكّ أنّ الإنسان لا ينال به أجرًا، كما لو كان الصّوم يضعفه عن القتال، فحينئذ لا يصوم.
ولهذا لما كان المسلمون مع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح لما كانوا معه رغّبهم في الفطر فمنهم من أفطر ومنهم من صام، ولما نزلوا المنزل الذي يلاقون فيه العدوّ من غده قال لهم: ( إنّكم لاقوا العدوّ غدًا والفطر أقوى لكم فأفطروا ) فأمرهم بالفطر، وعلّل ذلك بأنّه أقوى، وعلى هذا فإذا كان الإنسان في القتال فالمشروع له أن يفطر.
وحينئذ لا يمكن أن يرغّب الشّرع بأمر يطلب من المسلمين أن يدعوه.
طيب إذن كيف يكون مجاهدا في سبيل الله ويصوم هذا اليوم الذي فيه الأجر العظيم مع أنّكم تقولون: لا يصوم وقت ملاقاة العدوّ؟
الطالب : إذا كان مرابطًا.
الشيخ : نعم، يمكن إذا كان مرابطا، يمكن أن يكون إلى الآن لم يلتحم القتال، نعم يصلح ويستعدّ والصّوم لا يشقّ عليه فهذا أمر ممكن.
وقوله: ( إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار ) : باعد من البعد أي: جعلها بعيدة عنه، وهذا يدلّ على أنّ هذا اليوم يكفّر الذّنوب، لأنّ الذّنوب هي سبب دخول النّار، فإذا بوعد بينه وبين النّار هذه المدّة دلّ ذلك على أنّه قد كفّر عنه سيّئاته .
وقوله: ( سبعين خريفا ) سبعين هذه نائبة مناب الظّرف، وخريفا؟
الطالب : تمييز.
الشيخ : تمييز، لأنّها مبيّنةٌ لنوع المعدود، وكلّ ما بيّن نوع المعدود فهو تمييز، والخريف السّنة وهو أحد فصول السّنة، لأنّ فصول السّنة أربعة:
ربيع وصيف وخريف وشتاء، كم للرّبيع من برج؟
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : عددناها لكم سابقا.
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : عدّها يا ياسر؟
الطالب : الحمل والثور والجوزاء.
الشيخ : الحمل والثّور والجوزاء هذه للرّبيع، الحمل والثّور والجوزاء، السّرطان والأسد والسّنبلة هذه للصّيف، الذي نسمّيه القيض، الميزان والعقرب والقوس هذه للخريف، الجدي والدّلو والحوت في الشّتاء.
الطالب : نحن في الجدي.
الشيخ : نعم؟ نحن الآن في الجدي، واللّيلة ثلاثة عشر منه، من الجدي لأنّه داخل في أوّل الشّهر.
الطالب : من أين جاءت هذه البروج ؟
الشيخ : هذه البروج يعني مصطلح عليها من قديم معروفة عند النّاس قديما يقال يعني من قبل زمن الرّسالة ، كلّ برج له نصيب من النّجوم، ومن مطالع النّجوم وهي: ثمانية وعشرون مطلعا، معروفة عندهم.
ثمانية وعشرين هذه كلّ يوم ينزل القمر منها منزلة، ويبقى ليلتين التي هي ليالي الانتصاب يكون دائرة حتى يرتحل إلى المنزلة الثانية في أوّل الشّهر.
طيب على كلّ حال الخريف هو أحد فصول السّنة بين؟
الطالب : الصّيف والشّتاء.
الشيخ : الصّيف والشّتاء.
الطالب : البرج اسمه الحَمَل أو الحَمْل؟
الشيخ : الحَمَل إي نعم.
طيب سبعين خريفا: هل المراد بالسّبعين حقيقتها أو المراد المبالغة؟
الطالب : المبالغة.
الشيخ : نعم؟
الظاهر أنّ المراد حقيقتها، لأنّه لا وجه للمبالغة هنا.