وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ). متفق عليه . واللفظ لمسلم . حفظ
الشيخ : قال: " وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) متفق عليه " :
الطالب : الفوائد يا شيخ.
الشيخ : أخذناها.
الطالب : اثنين فقط، أخذنا فائدتين فقط.
الشيخ : طيب ما عندي غير هذا.
الطالب : نحن قلنا في الدرس القادم نكمل الفوائد يا شيخ، فضلا عن عدم الأسئلة في أثناء الدّرس عموما يعني.
الشيخ : طيب صحّ،
" ( وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) متفق عليه " :
أوّلا: عائشة رضي الله عنها وغيرها من أمّهات المؤمنين عندهنّ من العلم بحال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في بيته ما ليس عند غيرهنّ، ولهذا كان النّفر الثّلاثة الذين سألوا عن عمل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في السّرّ إنّما سألوا زوجاته لأنهنّ أعلم، وهذا من فوائد تعدّد زوجات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، من أجل أن يحفظن مِن أعماله في السّرّ ما لا يحفظه؟
الطالب : غيرهنّ.
الشيخ : غيرهنّ، تقول: ( كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتى نقول لا يفطر ) : يعني : يصوم ويسرد الصّوم ويكثر الصّوم.
وعلى العكس من ذلك ( ويفطر حتّى نقول لا يصوم ) : وهذا غير الصّيام المعتاد الذي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعتاده كالاثنين والخميس مثلا، أو صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، هو أحيانا يصوم ويسرد الصّوم ، وأحيانا يفطر حتى يقال : لا يصوم، وأقول: إنّ هذا في غير الصّيام الذي كان يعتاده، لماذا ينوّع؟
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتعلّق به مصالح كثيرة، لأنّه إمام الأمّة وقائد الأمة وتعتريه أشغال وأحوال يكون فيها بعض العبادات أفضل من بعض، فيراعي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما هو أفضل، ولهذا نحن نجزم أنّه ما خرج مع كلّ جنازة، ولا صام كلّ يوم، ولا يوماً وأفطر يوماً ، بل لما أمر عبد الله بن عمرو أو لما عرض عليه أن يصوم يومين ويفطر يوما قال: ( نودّ لو أنّا قدرنا على ذلك ) .
فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام له أحوال وأعمال تقتضي أن يفطر، وأحوال وأعمال تقتضي أن يصوم، فإذا رأى المصلحة أن يصوم صام، وإذا رأى المصلحة في الفطر أفطر، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون سائسًا لنفسه، إذا رأى فيها إقبالًا على عمل ما وهو عمل صالح يفعل، ما لم يشغله عن فريضة، إذا رأى فيها فتوراً عن هذا العمل وإقبالا على عمل آخر فعل، حتى يكون دائما مع نفسه في عبادة بدون أن يلحقها الملل والتّعب.
ومن هنا أخذ العلماء تلك القاعدة المشهورة وهو: " قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل " ، كلّ ذلك باعتبار المصالح .
ويجب أن نستثني الفرائض، الفرائض ليس عنها بديل ، لكن التّبادل إنّما هو في أعمال التّطوّع.
قد يكون هذا الشّخص يصوم ونقول الصّوم لك أفضل، وهذا الشّخص يفطر ونقول الفطر لك أفضل، وقد يكون نفس الواحد منّا نقول: في هذه الأيّام الصّوم لك أفضل وفي هذه الأيّام الفطر لك أفضل حسب الحال.
حتى قال العلماء: لو أنّ طالب العلم إذا صام حصل له كسل وتعب ولم يجد نشاطه في طلب العلم قالوا: فالأفضل أن يفطر لأنّ طلب العلم أفضل من الصّوم، وكذلك أيضًا لو أنّ الإنسان رأى أنّه تعب أو ملّ من الصّلاة فهو يحبّ أن ينام فنقول له: نم، فالنّوم أفضل، نَمْ ولاّ نُمْ؟
الطالب : نَمْ.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نُمْ هذه من النّميمة.
الشيخ : إي، لا، نقول: نَم لأنّها من نام ينام.
طيب كذلك رجل تعب من الصّلاة وأحبّ أن يقرأ ، نقول: القراءة أفضل لك. رجل تعب من القراءة وأحبّ أن يصلّي نقول: الصّلاة أفضل لك.
ولهذا لو سألنا سائل ينتظر صلاة الجمعة وقد أتى مبكّراً ما تقولون هل الأفضل لي أن أصلّي أو أقرأ القرآن؟
فنقول: أمّا بالنّظر للعمل من حيث هو عمل فالصّلاة أفضل، ولكن بالنّسبة لحالك انظر ما هو أصلح لك، قد تكون إذا كنت تصلّي يفوتك التّدبّر والتّأمّل والخشوع ويشغلك الشّيطان بالوساوس، وإذا جلست تقرأ حصل لك من التّأمّل والتّدبّر والتّفكّر والخشوع ما لا يحصل لك وأنت تصلّي، فنقول: هنا القراءة أفضل.
طيب وتقول رضي الله عنها: ( وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ) :
إذن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يصوم الشّهر المحرّم، مع أنّه قال: ( لما سئل أيّ الصّوم أفضل؟ قال: شهر الله المحرّم ) ، وهو عليه الصّلاة والسّلام وإن صام في المحرّم لكن لا يستكمله قطعا لأنّها تقول : ( ما استكمل صيام شهر قطّ إلاّ رمضان، قالت: وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) :
نعم تقول : ( ما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان ) وظاهر كلامها حتى في المحرّم أنّه يصوم في شعبان أكثر من صيامه في المحرّم، لماذا؟
قيل: لأنّ هذا الشّهر شهر يغفل فيه النّاس بين رجب ورمضان فأحبّ صلّى الله عليه وسلّم أن يكون فيه متعبّداً قائماً بالعبادة.
وقيل: بل لأنّ شعبان في مقدّمة يدي؟
الطالب : رمضان.
الشيخ : رمضان، فالصّيام فيه بمنزلة الرّاتبة للصّلوات.
وقيل: من أجل أن يمرّن نفسه على الصّوم ليستقبل رمضان، وقد تمرّن على الصّوم أعرفتم؟
ولو قال قائل: بأنّه يصوم لهذه العلل ولغيرها ممّا لا نعلمه لكان له وجه، لأنّ تعدّد العلل غير ممتنع، بل تعدّد العلل ممّا يزيد الحكم قوّة، نعم.
قال: " متّفق عليه " : يعني رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.