وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ). متفق عليه . وللفظ للبخاري . زاد أبو داود :( غير رمضان ). حفظ
الشيخ : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ) متفق عليه، واللّفظ للبخاري.
زاد أبو داود: ( غير رمضان ) "
:
أوّلا: الحديث فيه إشكال من حيث صناعة التّخريج لأنّ المؤلّف قال: " متّفق عليه واللّفظ للبخاري ثمّ قال: زاد أبو داود " :
وأبو داود لا يدخل في المتّفق عليه، لأنّ المتّفق عليه عند المؤلف هو الذي رواه البخاري ومسلم.
لكن المؤلف رحمه الله طوى ذكر رواية أبي داود بذكر الزّيادة، كأنّه قال: أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وزاد كذا وكذا، وهذا من باب طيّ الذّكر المعلوم، وله أمثلة كثيرة ذكره أهل البلاغة في كلامهم على الإيجاز، الذي قالوا إنّه نوعان:
إيجاز قِصر، وإيجاز حذف، نعم طيب.
أمّا لفظ الحديث فقال: ( لا يحلّ للمرأة ) كذا عندكم بالتّعريف؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ( للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد ) : أن تصوم هذه مؤوّلة بمصدر فاعل يحلّ، يعني الصّوم.
وقوله ( وزوجها شاهد ) جملة حاليّة، والشّاهد بمعنى؟
الطالب : الحاضر.
الشيخ : نعم الشّاهد بمعنى الحاضر.
وهذا الحديث كما تدلّ عليه رواية أبي دواد يراد به غير رمضان أي: يراد به النّفل، بل ظاهره النّفل والواجب بالنّذر، لأنّه لم يستثن إلاّ رمضان.
فيقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّه لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد ) ، وذلك لأنّ المرأة عند الزّوج كالأسير ، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( اتّقوا الله في النّساء فإنّهنّ عوانٍ عندكم ): والعوان جمع عانية بمعنى أسيرة.
ووصف الله تعالى الزّوج في القرآن بأنّه سيّد فقال: (( وألفيا سيّدها لدى الباب )) أي: زوجها.
وبيّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في السّنّة أنّ الزّوج راع على أهله قال: ( والرّجل راع في أهله ومسؤول عن رعيّته ) .
والزوج له حقوق على زوجته فإذا صامت نفلاً وهو حاضر بلا إذنه فإنّه سيقع في حرج، لأنّه بين أمرين:
إمّا أن يمتنع من الاستمتاع بها مع كونه مشتهيا لذلك، وإمّا أن يفسد صومها وكلا الأمرين فيهما حرج، أمّا الأوّل ففيه إشقاق على نفسه، وأمّا الثاني ففيه إشقاق على غيره مع الأثر النّفسي الذي يتركه هذا الأمر إذا أفسد صومها، ولهذا قطع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الأمر الذي يكون فيه إحراج الزّوج فقال: ( لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد ) .
وقوله: ( لا يحلّ ) نفي الحلّ إثبات للتّحريم، هذا هو الظّاهر، وإن كان نفي الحلّ لا يمنع الكراهة يعني بمعنى أن يقال: إنّ المكروه أيضا فعله ليس حلال، ولكن الغالب أنّه إذا نفي الحلّ أو الجواز فالمراد التّحريم لماذا؟
لأنّ التّحريم هو المقابل للجواز، كما قال الله تعالى: (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام )) فجعل الله تعالى الحلال قسيما للحرام ومقابلا له، فإذا قلنا لا يحلّ فالمعنى؟
الطالب : يحرم.
الشيخ : يحرم.
فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون المعنى يكره لأنّ الأصل عدم التّأثيم؟
بمعنى: أنّه يكره للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلاّ بإذنه لأنّك إذا قلت يحرم لزم من قولك تأثيمها بالفعل، والأصل عدم التّأثيم، وما دام نفي الحلّ صالحا للكراهة وصالحا للتّحريم فلماذا لا تحمله على أدنى الاحتمالين الذي تسلم فيه المرأة من التّأثيم لأنّ الأصل براءة الذّمّة؟ أو ما فهمتم الإشكال؟
الطالب : أعد هذا!
الشيخ : هاه؟
الطالب : أعد هذا!
الشيخ : طيب، كلمة: لا يحلّ قلنا : معناها يحرم، لكن لو قلنا معناها يكره هل يستقيم الكلام ولاّ لا؟
الطالب : لا .
الشيخ : هل يستقيم الكلام؟
الطالب : نعم يستقيم.
الشيخ : نعم، لماذا؟
لأنّ المكروه لا يحلّ، ليس بحلال، إذ أنّ الحلال ما استوى طرفاه والمكروه لا يتساوى الطّرفان فيه، فنفي الحلّ لا يستلزم التّحريم، لأنّه يجوز أن يكون المراد الكراهة.
لكنّي قلت لكم: الأصل أنّ نفي الحلّ يعني التّحريم، لأنّه أي: التّحريم هو المقابل للحلّ والقسيم له، بدليل قوله تعالى: (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام )) ، ومازال العلماء رحمهم الله يعبّرون بقولهم " ولا يجوز كذا " يعنون؟
الطالب : يحرم.
الشيخ : يحرم، وأمّا تعبيرهم لا يحلّ،، أي نعم قصدي لا يحرم كذا فلا يقتضي الحلّ، قد يجب، هو لا يحرم وقد يجب لكن الكلام على أنّه لا يحلّ، إذا عبّر بها العلماء فمرادهم التّحريم، إذن نقول هنا: لا يحلّ أي: يحرم.
انتبهوا للإيراد فإن قال قائل: ما دمت تقول إنّ نفي الحلّ يحتمل الكراهة ويحتمل التّحريم فلماذا نحمله على الكراهة؟ ليش؟ قال: لأنّ الكراهة لا يحصل فيها إثم المرأة، فيحمل الحديث على أدنى الاحتمالين حتى تسلم المرأة من الإثم ؟
السائل : هل كلّ مكروه
الشيخ : دقيقة.
السائل : ما يترتّب عليه إثم؟
الشيخ : أي ما يترتّب عليه إثم.
ليش؟ قال: لأنّ تأثيمها إشغال لذمّتها وإلزام لها بأكثر ممّا يحتمله اللّفظ ؟
فالجواب: أنّ العادة المطّردة أنّ نفي الحلّ يعني التّحريم، وحينئذ يكون هذا الظّاهر مقدّما على الأصل الذي هو عدم التّأثيم، واضح؟
الطالب : أي واضح.
الشيخ : طيب، إذن يحرم على المرأة أن تصوم وزوجها شاهد.
والزوج معروف هو الذي تمّ العقد بينه وبين المرأة، عقد الزّواج على الوجه الشّرعي.
وقوله: ( إلاّ بإذنه ): الإذن بمعنى الرّخصة والإرادة ، يعني: إلاّ بإرادته، العلّة في ذلك: لأنّ للزّوج عليها حقّا وهو الاستمتاع، وإذا كانت صائمة فإنّ صيامها يمنعه من استمتاعه بها إلاّ على وجه فيه إحراج له، والإحراج هو أنّه سيكون متردّدا بين أمرين:
إن استمتع بها أفسد صومها، وإن تركها ونفسه تطلب ذلك وقع أيضا في حرج، فلهذا لا يجوز أن تصوم نفلا إلاّ بإذنه.
وأمّا رواية أبي داود يقول: ( غير رمضان ) : فأمّا رمضان فيجوز أن تصومه ولو كان زوجها شاهداً ولو لم يأذن، وهذا مع ضيق الوقت أي: وقت القضاء واضح، يعني مثلا: لو لم يبق من شعبان إلاّ مقدار ما عليها من رمضان فلها أن تصوم وإن كان زوجها شاهدا وإن منعها، ولكن إذا كان في الوقت سَعَة بأن يكون قد بقي من شعبان أكثر ممّا عليها : مثل أن تريد صوم القضاء في جمادى ، فهل لها أن تفعل ذلك بلا إذنه؟
الطالب : لا.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا.
الشيخ : إن نظرنا إلى الحديث : ( غير رمضان ) : قلنا الظّاهر أنّ لها ذلك ما لم ينهها، وحينئذ تكون المراتب ثلاثًا:
أوّلا: النّفل فلا تصوم حتى يأذن لا تصوم وتقول أرى إن منع وإلاّ استمرّت في الصّوم نقول أصلا لا تصوم إلاّ بإذنه.
ثانياً: القضاء إذا بقي من شعبان بمقدار ما عليها فهذه تصوم وإن منع.
الثالث: القضاء مع سعة الوقت فهذه تصوم ما لم يمنع.
الطالب : لا تستأذن إلاّ في النّفل.
الشيخ : نعم؟
الطالب : لا تستأذن إلاّ في النّفل.
الشيخ : ما تستأذن، لا لا، هذه تصوم ما لم يمنع لأنّ هذه فريضة وظاهر الحديث العموم لكن الفرق بينه وبين الفرض الضّيّق أنّ الضّيّق وإن منع فإنّها تصوم، والفرق بينه وبين النّفل: أنّ النّفل لا تصوم إلاّ بإذنه، أمّا هذا فتصوم بدون استئذان ما لم يمنعها ويقول لها إنّ الوقت أمامك واسع، فإذا قال: الوقت أمامك واسع فله الحقّ، ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها لا تصوم القضاء عليها إلاّ في شعبان لمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها.