وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) . رواه الخمسة ، واستنكره أحمد . حفظ
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
" وعنه -أي عن أبي هريرة رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) رواه الخمسة واستنكره أحمد. " :
يعني: قال: إنّه منكر ، وذلك لأنّه مخالف لحديث أبي هريرة الثابت في الصّحيحين: ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) فإنّ ظاهره جواز تقدّمه لأكثر من ذلك.
والحديث هذا اختلف العلماء فيه، والصّحيح أنّه حديث ضعيف لا تقوم به حجّة.
وأمّا مخالفته لحديث أبي هريرة الذي في الصّحيحين فإنّه يمكن الجمع بينهما كما سأذكره إن شاء الله تعالى.
يقول: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) : ليس المراد فلا تستمرّوا بالصّوم، لأنّه قد ثبت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أكثر ما يكون صوما في شعبان، فكان يصومه إلاّ قليلا، بل قد كان يصومه كلّه، وهذا يدلّ على أنّ المراد بالنّهي هنا النّهي عن ابتداء الصّوم بعد النّصف، وأمّا إذا كان الإنسان مستمرّا في صومه فإنّ ذلك لا نهي فيه.
وأمّا حديث أبي هريرة الذي يقول: ( لا تقدّموا رمضان ) فيمكن الجمع بينه وبين هذا الحديث: بأن يحمل حديث أبي هريرة هناك على أنّ النّهي للتّحريم، وهنا على أنّ النّهي للكراهة، وإلى هذا ذهب الشّافعيّة رحمهم الله وقالوا: إنّ ابتداء الصّوم بعد نصف شعبان مكروه، أما الاستمرار فيه فليس بمكروه.
وأمّا حديث أبي هريرة: ( لا تقدّموا رمضان ) فالنّهي فيه للتّحريم، وبهذا جمع بين الحديثين.
ولا شكّ أنّ هذا الجمع متعيّن عند من يرى أنّ هذا الحديث يصل إلى درجة الحسن، فإنّ الحَسَن كما هو معروف من أقسام المقبول وليس من أقسام الصّحيح، بل هو قسيم له.
والرّاجح والله أعلم أن يقال: إنّ الأولى عدم الصّوم، الأولى ولكن لا نقطع بالكراهة لكون هذا الحديث ضعيفاً.
فإن قلت: قد مرّ علينا قاعدة عند بعض العلماء: " أنّ النّهي إذا كان الحديث ضعيفا يحمل على الكراهة "، نعم ، فلماذا حملته هنا على أنّ الأولى أن لا يصوم؟
فالجواب : أنّ حديث أبي هريرة : ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) يمنع أن نقول بالنّهي ، لأنّ مفهومه يدلّ على الجواز ، أي جواز تقدّم الصّوم بأكثر من يومين أو يوم.