وعن أبي هريرة رضي الله عنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ). رواه الخمسة غير الترمذي ، وصححه ابن خزيمة والحاكم ، واستنكره العقيلي . حفظ
الشيخ : يقول: " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ) رواه الخمسة غير الترمذي، وصحّحه ابن خزيمة والحاكم، واستنكره العقيلي " :
هذا الحديث يقول: ( نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ) ، وأمّا في غير عرفة فقد سبق أنّه يكفّر السّنة التي قبله والتي بعده، لكن في عرفة لا تصوم.
والحديث هذا ضعيف كما ضعّفه العقيلي، لكن له شاهد ثابت في الصّحيح من حديث أمّ الفضل رضي الله عنها: ( أنّها أرسلت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَدَحًا فيه لبن وهو واقف بعرفة، فأخذه وشربه والنّاس ينظرون إليه ) ، ليحقّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمّته أنّ هذا اليوم ليس يوم صوم.
والعلّة في ذلك والحكمة : لأنّ هذا اليوم يوم دعاء وتضرّع إلى الله سبحانه وتعالى، والإنسان إذا صام فسوف يضعف بدنه ونفسه، لا سيما في أيّام الصّيف، ولا سيما في آخر النّهار الذي هو أفضل ما يكون من أجزاء يوم عرفة، فإنّ يوم عرفة آخره أفضل من أوّله، وإذا صام هذا الإنسان في هذا الموقف الذي لم يأت من بلده إلاّ لهذا الموقف وأشباهه من شعائر الحجّ ، فإنّه يفوّت على نفسه الفرصة العظيمة وهي الدّعاء والإلحاح على ربّه جلّ وعلا.
وعلى هذا فنقول: إنّ صوم يوم عرفة بعرفة للحاجّ، أمّا العمّال الذين لم يحجّوا فلا حرج أن يصوموا لكن إذا كان حاجّا فإنّه لا يصوم ولا يتعبّد بالصّوم، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يصم وأعلن عدم صومه من أجل أن تقتدي الأمّة به.
فإن صحّ هذا النّهي عن أبي هريرة كان مؤكّدا لترك الصّوم، وإن لم يصحّ فإنّ فعل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وإعلانه الإفطار في هذا اليوم مع أنّه رغّب في صوم يوم عرفة يدلّ على أنّ صومه غير مرغوب لديه صلّى الله عليه وسلّم.
فإن قال قائل: قد يكون هذا خاصّا بالنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ونحمل الحديث العامّ صوم يوم عرفة يكفّر السّنة التي قبله والتي بعده نحمله على العموم، ويكون هذا خاصًّا بالرّسول عليه الصّلاة والسّلام؟
قلنا: لو كان خاصّا بالرّسول ما أعلنه وأظهره، لأنّ إعلانه وإظهاره إيش يقتضي؟
الاقتداء به والتّأسي به، وهذا يدلّ على أنّه ليس خاصّا به.
ثمّ نقول: الأصل عدم الخصوصيّة حتى يقوم دليل على ذلك.
ثمّ نقول: إنّ صبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الأكل والشّرب مع ابتهاله إلى الله والتّضرّع إليه أقوى منّا بلا شكّ، ولهذا كان يواصل وينهى عن الوصال، فكيف يكون المشروع في حقّه أن يفطر وهو أقوى منّا وأصبر وأشدّ رغبة ورهبة إلى الله عزّ وجلّ، ويكون الاستحباب عامّا لأمّته؟!
فالمهمّ أن القول بأنّه خاصّ قول ضعيف بلا شكّ، طيب.