فوائد حديث ( إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه ...). حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث عدّة فوائد، وأظنّكم تصوّرتم المعنى جيّدا الآن: أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان وهو معتكف يدخل عليها رأسه وهو في المسجد يكون رأسه في البيت وبدنه في المسجد، فترجّل رأسَه وتسرّحه وهو معتكف.
كذلك تقول: إنّه إذا احتاج إلى الخروج من المسجد خرج إلى البيت، ولكنّه لا يخرج إلاّ للحاجة ثمّ يرجع.
ففيه عدّة فوائد:
الفائدة الأولى: أنّ الإنسان لا يبطل اعتكافه بخروج بعض الجسد، الدّليل: أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يدخل رأسه إلى البيت.
ومثل ذلك لو حلف لا يخرج من البيت فأخرج بعض جسده فإنّه لا يحنث بدليل هذا الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز ترجيل المعتكف رأسَه، لفعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لا نقول للمعتكف: كن أشعث أغبر، بل نقول: لا بأس أن ترجّل رأسك.
وهل يجوز أن يحلقه لو كان الحلق عند النّاس من باب التّجمّل كما في عادتنا اليوم؟ الجواب؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، يجوز له أن يحلق رأسه للتّجمّل أو لغرض آخر.
طيب ومن فوائد الحديث: جواز استخدام الرّجل زوجته في غير ما يتعلّق بمصالح النّكاح، هاه؟
الطالب : التّرجيل.
الشيخ : كون الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يُدخل رأسه على عائشة لترجّله. فإن قال قائل: لماذا لا يأمر عائشة فتأتي فترجّل رأسه في المسجد؟
فالجواب: قد يكون لها عذر، وأيضاً قد يكون في المسجد رجالًا، فأحبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا ترجّله أمامهم.
المهمّ أنّ هذه قضيّة عين، ولو أنّ الرّجل دعا زوجته ورجّلت رأسه في المسجد فلا بأس، لكن بشرط أن لا يتلوّث المسجد بذلك، بحيث يؤخذ ما يتناثر من الشّعر ويلقى خارج المسجد.
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أيضا جواز ملامسة الرّجل زوجته وهو معتكف، الملامسة يعني: اللّمس باليد وليس الجماع، نعم لأنّ عائشة ترجّل الشّعر والغالب أنّها تمسّ بشرته، هذا هو الغالب، أمّا مسّ الشّعر فقد سبق لنا عدّة مرّات أنّ الشّعر في حكم؟
الطالب : المنفصل.
الشيخ : ومن فوائد الحديث: أنّه ينبغي للإنسان أن يفعل مع زوجته ما يجلب المودّة والمحبّة، هاه؟ كيف ذلك؟
الطالب : كانت ترجله.
الشيخ : أنّه كان يدخل رأسه لترجّله، ولا شكّ أنّ الإنسان إذا عامل زوجته هذه المعاملة فسوف تقوى الرّابطة بينهما، يعني لو قال لها مثلا: احلقي رأسي هذا من جنس التّرجيل، أو إذا كان عليه شعر يقول: رجّليه كذا؟ أو غسل بدنه أو ما أشبه ذلك، كلّ هذا ممّا يجلب المودّة بين الزّوجين وما كان جالبا للمودّة فإنّه مأمور به.
ومن فوائد الحديث: أنّه لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلاّ لحاجة، ( وكان لا يدخل البيت إلاّ لحاجة ) : البول والغائط .
ويقاس عليهما ما لا بدّ منه من أكل وشرب ولباس ولحاف وما أشبهها ، ولكن بشرط أن لا يجد من يأتي به إليه ، فإن وجد من يأتي به إليه صار غير محتاج لذلك ، لأنّ رجلا مثلا معتكف ويقول: أريد أن أذهب إلى البيت لآكل وأشرب، أجائز ذلك؟
الطالب : فيه تفصيل.
الشيخ : فيه تفصيل: إن كان يجد من يأتي به إليه فإنّه لا يجوز أن يخرج ، لأنّه غير محتاج .
وإن كان لا يجد جاز أن يخرج، نعم.
طيب، الوضوء، يجوز يخرج من المسجد ويتوضّأ في البيت؟
الطالب : على التفصيل.
الشيخ : على التّفصيل: إذا كان ليس في المسجد ما يتوضّأ به جاز أن يخرج، إذا كان فيه ما يتوضّأ به فإنّه لا يجوز.
طيب ومثله اللّباس: إذا احتاج إلى زيادة لباس كما لو كان في الشّتاء ولم يجد ما يأتي به فله أن يخرج ليلبس.
ومثله أيضا اللّحاف إذا خرج من المسجد ليأتي به وليس له أن يأتي به إليه، المهمّ أن الحاجة التي لا تندفع إلاّ بالخروج فله أن يخرج.
ومن فوائد الحديث: أنّه لا يزيد على قدر الحاجة إذا خرج، من أين نأخذه؟
الطالب : إلاّ لحاجة.
الشيخ : من قولها: ( إلاّ لحاجة ) وإذا جاز الشّيء لحاجة يعني: ما نأخذ هذه الفائدة إلاّ بعد أن نعرف القاعدة التي نبني عليها وهي: " إذا كان الشّيء مقيّدا بالحاجة فإنّه يتقدّر بقدر الحاجة " هذه القاعدة، إذا كان الشّيء جائزا للحاجة فإنّه يتقدّر بقدر الحاجة لأنّ ما زاد عليها في غنى عنه.
فلو خرج من المسجد وهو معتكف لقضاء حاجته، ثمّ وجد صاحبا له وقال له صاحبه: استرح عندي لك قضيّة خاصّة وجلسوا يسلفوا يجوز؟
الطالب : لا يجوز.
الشيخ : لا يجوز، وإن كان أصل خروجه جائزا للحاجة لكن بقاؤه يتحدّث إلى صاحبه ليس فيه حاجة فلا يجوز.
طيب من هنا نبيّن أنّ العلماء -رحمهم الله- ذكروا أنّ خروج الإنسان المعتكف من المسجد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
خروج لا بدّ منه شرعا أو طبعا فهذا يخرج، يخرج لما لا بدّ منه شرعا أو طبعا، الشّرع لم أذكره لكن الآن أمثّل له: كما لو كان عليه جنابة وليس في المسجد ماء يغتسل فيه، كما لو كان على غير وضوء انتقض وضوؤه في المسجد وليس في المسجد ماء يتوضّأ فيه هذا لا بدّ أن يخرج، لا بدّ منه شرعا ولاّ طبعا؟
الطالب : شرعا.
الشيخ : شرعا، طيب، لا بدّ منه طبعا؟
الطالب : الأكل والشّرب.
الشيخ : الأكل والشّرب والبول والغائط والدّفء وما أشبه ذلك.
ما لا بدّ منه شرعا وطبعا : يجوز أن يخرج من المسجد إليه سواء اشترطه أو لم يشترطه، أي: سواء اشترطه عند دخوله ، أم لم يشترطه.
الثاني : ما ينافي الاعتكاف فهذا لا يجوز الخروج، إليه سواء اشترطه أم لم يشترطه مثل: أن يكون صاحب دكّان ودخل المسجد معتكفاً واشترط أن يخرج إلى دكّانه ليبيع ويشتري، يجوز ولاّ لا؟
الطالب : لا يجوز.
الشيخ : لماذا؟
الطالب : ينافي الاعتكاف.
الشيخ : لأنّ هذا ينافي الاعتكاف، الاعتكاف: هو أن تلزم المسجد لطاعة الله أمّا أن تخرج تبيع وتشتري، ما تأتي تعتكف إلاّ إذا صار ليس لك شغل باللّيل هذا ليس معتكفا.
رجل حديث عهد بزواج ودخل الاعتكاف واشترط أن يبيت مع امرأته؟
الطالب : لا يصح يا شيخ.
الشيخ : يصحّ وإلاّ لا؟
الطالب : لا يصحّ.
الشيخ : ما يصحّ ، عريس جديد لا يعتكف من أصله، نعم إذن لا يصحّ، ولو فعل لبطل اعتكافه.
طيب القسم الثالث: ما له منه بدّ ولا ينافي الاعتكاف لكونه عبادة يتقرّب بها إلى الله، فهذا يصحّ إن شرطه، وإن لم يشترطه لا يصحّ، مثل: أن يشترط شهود جنازة يعني: أنّه خائف قريبه أو صديقه يموت في هذه المدّة فاشترط عند ابتداء اعتكافه أن يخرج لتشييع جنازته، هذا جائز، لماذا؟
الطالب : عبادة.
الشيخ : لأنّ هذا عبادة ولا ينافي الاعتكاف ولكن تتقدّر بقدرها، كذلك لو كان له مريض واشترط عند ابتداء اعتكافه أن يخرج لعيادته فهذا لا بأس له. ولكن هل الأفضل أن يشترط ذلك ليحصّل الأجر أم الأفضل أن يحافظ على اعتكافه؟
الطالب : الأفضل أن يحافظ على اعتكافه.
الشيخ : الأفضل أن يحافظ على اعتكافه إلاّ لمصلحة راجحة، كما لو كان المريض قريباً له، وتغيّبه عنه مدّة عشرة أيّام يعدّ قطيعة، فهنا نقول: الأفضل أن تشترط، وكذلك لو كان المريض الذي يُخشى أن يموت قريبا له: فهنا نقول: الأولى أن تشترط لوجود المصلحة الرّاجحة، وهي: مع التّشييع أو العيادة صلة الرّحم.
طيب هل من ذلك لو اشترط حضور درس؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : يعني مثلا فيه دروس بالنّهار أو في اللّيل لا يحبّ أن تفوته، وإنّ طلب العلم من أفضل العبادات هل نقول: له أن يشترط ذلك؟
أو نقول: ولا سيما في وقتنا هذا إنّه ليس بحاجة إلى الحضور لأنّه يمكن أن يسجّل الدّرس ويستمع إليه؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب، الظّاهر لي والله أعلم أنّه إذا أمكن التّسجيل: تسجيل الدّرس والاستماع إليه فلا يجوز، لأنّ حاجته إلى الخروج في هذه الحال نعم قليلة.
من هذا النّوع ما حصل فيه إشكال في العام الماضي، فيه أناس معتكفون في المسجد الحرام، وكان هناك درس في سطح المسجد الحرام، ولا يمكن الوصول إلى السّطح إلى بعد الخروج من المسجد الحرام والصّعود مع الدّرج الكهربائيّ، فهل يخرجون لاستماع الدّرس أو لا؟
الطالب : بالشّرط.
الشيخ : لا بدون شرط، هم ما اشترطوا.
الطالب : لا لا يخرجون.
الشيخ : نعم؟
الطالب : هم في المسجد ما خرجوا.
الشيخ : لا، يخرجون لأنّ السّلّم الكهربائي هذا خارج المسجد.
الطالب : لا يخرجون.
الشيخ : سئل بعض العلماء عن ذلك وهو من العلماء الموثوقين فقال: إنّ هذا لا يعدّ خروجا في الواقع، لأنّهم يخرجون ليرجعوا إلى المسجد، لأنّ خطواتهم لا تعتبر شيئا وفيه باب لكن لا يفتح، فيه باب يدخل على الدّرج هذا من الطابق الثّاني لكنّه لا يفتح، وفيه باب أظنّه يخرج على السّطح رأسًا.
الطالب : أي نعم.
الشيخ : طيب هو إذا كان فيه باب يخرج إلى السّطح مباشرة بالدّرج فلا ينبغي للإنسان أن يعرّض اعتكافه لأمر مشتبه.
أمّا إذا لم يكن فالظاهر أنّ هذا لا يعدّ خروجا في الحقيقة وخطوات بسيطة قليلة ويدخل في المسجد.
الطالب : فيه حيلة.
الشيخ : ما هي؟
الطالب : يروح يتوضّأ وبعدين يذهب.
الشيخ : هههه، طيب إذا خرج ليتوضّأ من أجل ذلك، مشكل هذا، من أراد أن يأكل ويشرب في نهار رمضان يقول: أسافر لآكل وأشرب؟
أنا أقول: فيه مسألة تشبه هذه قريبة منه وهي: بعض النّاس يصاب بمرض في الكلى ويجعل له آلة تصفية للدّم خارج الجسم، فيخرج الدّم من جسمه ليصفّى في الآلة ثمّ يعود وهو صائم، هل يبطل صومه؟
الطالب : لا يبطل.
الشيخ : لأنّه عندنا الآن مسألتان:
خروج دم ودخول دم، دخول الدّم هل يفطّر؟
فيه احتمال أنّه يفطّر، لأنّه يقوم مقام الأكل والشّرب، لأنّ نتيجة الأكل والشّرب أنّهما ينقلبان إلى دم يتغذّى به الجسم، خروج هذا الدّم يفطّر وإلاّ ما يفطّر؟
الطالب : يفطّر.
الشيخ : الحجامة تفطّر لا شكّ فيها لكن هل هذا مثل الحجامة؟
الطالب : لا.
الشيخ : قد نقول: ليس مثلها لأنّ هذا يخرج من البدن ليعود إليه، الحجامة تخرج من البدن لئلاّ تعود، فالذي يظهر لي أنّ هذا لا يبطل صومه، لأنّه يخرج منه ليدخل فيه، فهو لا يزيده إلاّ خيرا ، لا يزيده ضعفا بخلاف الحجامة .
وأمّا مسألة إدخال الدّم للصّائم فكنت أقول: بأنّه يفطّر ولكنّي رجعت عنه، ورأيت أنّه لا يفطّر، لأنّه لا يقوم مقام الأكل والشّرب، فإنّ هذا لو حقن فيه الدّم يبقى جائعا إذا كان ليس في معدته شيئا ويبقى عطشانا إذا كان ليس في معدته شيء.
الطالب : مريض الكلى يفطر .
الشيخ : هو على كلّ حال ما هو مفطر واضح، خالد؟
السائل : ...
الشيخ : هاه؟
السائل : الحدّ الأدنى والأعلى ...
الشيخ : الحدّ الأدنى والأعلى، والله سأنظر إذا كان المؤلّف ذكر.
السائل : ما ذكر الحديث.
الشيخ : ما ذكر حديث عمرو؟