وعنها قالت :( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه ، ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ). رواه أبو داود ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره . حفظ
الشيخ : يقول: " وعنها قالت: ( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلاّ في مسجد جامع ) رواه أبو داود، ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره.
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما : أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( ليس على المعتكف صيام إلاّ أن يجعله على نفسه ) رواه الدّارقطني والحاكم والرّاجح وقفه أيضا "
:
طيب هذا تقول عائشة رضي الله عنها: ( السّنّة على المعتكف ) كذا عندكم على ولاّ للمعتكف؟
الطالب : على.
الشيخ : على المعتكف، كأنّها قالت : على دون اللّام ، لأنّ هذه سنّة واجبة، وإذا قال الصّحابيّ : من السّنّة، فقد قال العلماء: إنّ له حكم الرّفع، وإذا قال: من السّنّة، فقد يكون ذلك الشّيء واجبا وقد يكون مستحبّا، المهمّ أنّه من الشّريعة، ووجوبه واستحبابه يؤخذ من دليل آخر، إذن هذا الحديث له حكم الرّفع، لأنّ عائشة رضي الله عنها قالت: ( إنّه من السّنّة أن لا يعود مريضا ) : مع أنّ عيادة المريض من أفضل الأعمال، وهي: فرض كفاية على القول الرّاجح.
وإذا كانت فرض كفاية وسنّة مؤكّدة إذا قام بها من يكفي فإنّه لا يخرج المعتكف لها، لأنّها تنافي الاعتكاف: (( وأنتم عاكفون في المساجد )) عاكفون أي: ملازمون لها دائمون فيها.
فإذا أراد الإنسان المعتكف كلّما ذكر له مريض ذهب له وعاده، وكلّما جاءت جنازة خرج معها فأين الاعتكاف في المساجد؟
لكن لما كانت هذه من الأمور المشروعة التي لا تنافي الاعتكاف منافاة تامّة أجاز العلماء فعلها بالشّرط، وقالوا: إذا اشترط أن يعود المريض فلا بأس، ولكن هل نقول: إنّه يعود كلّ مريض، أو ينبغي أن يقال له: لا تشترط إلاّ مريضا له عليك حقّ كقريب وصديق وزوجة وما أشبه ذلك ، أمّا أن تشترط أن تعود كلّ مريض فإنّك ربّما تستوعب كلّ الوقت ولاّ لا؟ لكن مريضا معيّنا له حقّ عليك هذا طيّب أن تشترط عيادته، لأنّه ربّما يصل هذا المريض إلى حال قد يُخشى أن يموت قبل أن ينتهي الاعتكاف، نعم، وربّما يكون هذا المريض من النّاس الذين لا يعذرون، ويريدون أن يوفى لهم حقّهم كاملا، طيب، الجنازة أيضا مثلها، ( ولا يشهد جَنازة ) ولاّ جِنازة؟
الطالب : يجوز الأمران.
الشيخ : يجوز الأمران ولكن الأكثر أنّ الفتح للميّت والكسر للنّعش الذي عليه الميّت، جِنازة يعني: نعشًا عليه ميّت، جَنازة يعني ميّتا على نعش.
( لا يشهد جنازة ) : ونقول في تعليله ما قلنا في تعليل عيادة المريض.
طيب شهود الجنازة فرض ولاّ سنّة؟
الطالب : فرض كفاية.
الشيخ : فرض كفاية، لأنّه لا بدّ من تشييع الجنازة، تشييعها فرض كفاية. طيب : ( ولا يمسّ امرأة ) : المراد بمسّ المرأة هنا لشهوة، أمّا مجرّد المسّ فقد سبق أنّ عائشة ترجّل شعر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا بأس أن يأخذ بيد امرأته إذا دخلت عليه في معتكفه ليسلّم عليها ويمسّها.
ولكن لا يمسّ لشهوة، لأنّه إن كان جماعا فهو مفسد للاعتكاف، وإن كان دونه فهو ذريعة للإفساد.
قالت: ( ولا يباشرها ) : إذن نقول ولا تباشر المرأة، هي جمعت بين المسّ والمباشرة ، وحينئذ نحمل المسّ على الجماع لقوله تعالى: (( وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ )) ، ويحمل المباشرة على ما دونه.
قالت: ( ولا يخرج لحاجة إلاّ لما لا بدّ منه ) : يعني : لا مفرّ ولا مناص منه هذا يخرج، مثل؟
البول والغائط والأكل والشرب إذا لم يجد من يأتي بهما إليه، طيب الوضوء؟
الطالب : له.
الشيخ : إذا لم يكن في المسجد ميضئة وكذلك الغسل.
طيب لو أنه دخل معتكفه في دفء ثمّ نشط البراد واحتاج إلى ثياب أو إلى لحاف وليس عنده من يأتي له بذلك يخرج؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لأنّ هذا لا بدّ منه، قالت: ( ولا اعتكاف إلاّ بصوم ) : " لا " نافية للجنس، واعتكاف اسمها ، وخبرها محذوف ، وبصوم بدل منه، أي: من الخبر أي: ولا اعتكاف كائن نعم إلاّ بصوم أو متعلّق بالخبر.
طيب هذا النّفي هل يحمل على الوجود أو على الصّحّة أو على الكمال؟
ذكرنا قاعدة في ما سبق أنّ الأصل في النّفي؟
الطالب : نفي الصّحّة.
الشيخ : لا يا أخي نفي الوجود، فإذا لم يمكن بأن وجد الشّيء؟
الطالب : نفي للصّحّة.
الشيخ : فهو نفي للصّحّة، فإذا لم يمكن بأن كان الشّيء صحيحا مع انتفاء هذا الشّيء فهو؟
الطالب : للكمال.
الشيخ : للكمال، عرفتم؟
طيب : ( لا اعتكاف إلاّ بصوم ) هل هو للوجود؟
لا، لأنّ الإنسان قد يعتكف وليس بصائم، إذن نفي وجود الاعتكاف بدون صوم غير صحيح، طيب نفي للصّحّة؟
الطالب : غير صحيح.
الشيخ : ننظر، إن جاء في الشّرع ما يدلّ على صحّة الاعتكاف بلا صوم فليس نفيا للصّحّة، وإن لم يأت فهو نفي للصّحّة.
ننظر ثبت في الصّحيحين من حديث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: ( أنّه نذر أن يعتكف ليلة أو يوما في المسجد الحرام، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أوف بنذرك ) ، ولم يأمره بالصّوم .
ورواية أمره بالصّوم أنّه قال له: ( أوف بنذرك وصم ) ضعيفة لا تصحّ، والذي في الصّحيحين وغيرهما : ( أوف بنذرك ) ولم يأمره بالصّوم ، ولو كان الصّوم واجبا لا يصحّ الاعتكاف إلاّ به لأمره به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
إذن وجدنا في السّنّة ما يدلّ على صحّة الاعتكاف بلا صوم، فيكون النّفي هنا:
النّفي للكمال يعني: ولا اعتكاف كاملا إلاّ بصومٍ، وهذا صحيح: أنّ الأفضل لمن اعتكف أن يصوم، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يعتكف إلاّ صائما، إلاّ حين قضا الاعتكاف في شوّال فإنّه لم يصم.
قالت: ( ولا اعتكاف إلاّ في مسجدِ جامع ) : هذا أيضا نقول فيه كما قلنا في قولها: ( ولا اعتكاف إلاّ بصوم ) هل يمكن أن يوجد اعتكاف في غير مسجدِ جامع؟
الطالب : نعم.
الشيخ : إذن لا يصحّ أن يكون نفيا للوجود، لأنّه يمكن أن يوجد.
طيب هل يصحّ الاعتكاف في مسجد غيرِ جامع؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم لما سبق من أنّه يصحّ لعموم قوله تعالى: (( وأنتم عاكفون في المساجد )) .
طيّب وش بقي علينا؟
الطالب : الكمال.
الشيخ : نفي الكمال، ولا شكّ أنّ الاعتكاف في مسجد جامع أكمل من الاعتكاف في غير جامع لا سيما إذا تخلّل اعتكافه جمعة، لأنّه إذا تخلّل اعتكافه جمعة، سلم من إيش؟
من الخروج للجمعة، ولأنّ الغالب في مسجد الجوامع الغالب أنّها أكثر جمعا، نعم ولأنّ الغالب أيضا في مسجد الجوامع أنّ فيها فوائد لكثرة النّاس إمّا دروس علمية أو غير ذلك، فلهذا كان المسجد الجامع أفضل وليس شرطا.
على أنّه يقول: " رواه أبو داود ولا بأس برجاله إلاّ أنّ الرّاجح وقف آخره " : قوله: " ولا بأس برجاله " :
هذه الكلمة لا توصل الرّجال إلى أن يكونوا في قمّة الثّقات، بل ولا في الوسط وإنّما تدلّ على أنّه يعني موثّقون، فمثل هذه العبارة تعتبر من أدنى مراتب التّعديل: " لا بأس به " نعم ، هو ليس بجرح ولكنّه تعديل ضعيف، لكنّه يقول: " إلاّ أنّ الرّاجح وقف آخره " :
استفدنا من هذا الاستثناء فائدتين:
الفائدة الأولى: أنّ قولها من السّنّة في حكم؟
الطالب : الرّفع.
الشيخ : الرّفع، لأنّه يقول: إلاّ أنّ الرّاجح وقف آخره.
الثاني: أنّه لا احتجاج بالموقوف لأنّ الموقوف قول صحابيّ، وقول الصّحابيّ مختلف في حجيّته، والقائلون بحجّيّته يشترطون شرطين:
أن لا يخالف نصّا، وأن لا يخالف صحابيّا آخر، يعني الذين قالوا بأنّ قول الصّحابيّ حجّة