تتمة شرح الحديث السابق ( وعنها قالت : السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه ، ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع . رواه أبو داود ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره . حفظ
الشيخ : طيب لكن وقف آخره من أين؟
الطالب : من قوله : ( ولا اعتكاف ).
الشيخ : من قولها: ( ولا اعتكاف إلاّ بصوم ) أي نعم: ( إلاّ بصوم ولا اعتكاف إلاّ في مسجد جامع ).
ما الذي يدلّنا على أنّ هذا مراده؟
لأنّ الكلام الأوّل على نسق واحد: ( أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه ) : هذا نسق واحد.
والثاني : ( ولا اعتكاف ) اختلف الأسلوب ونسق الكلام، فنقول: هذا الآخر هو الذي قال ابن حجر رحمه الله أنّ الرّاجح وقفه، فيكون من قول عائشة رضي الله عنها.
وقول عائشة لا بدّ أن يعرض على الكتاب والسّنّة.
وقد مرّ علينا أنّ حديث عمر رضي الله عنه يدلّ على أنّ الصّوم ليس بشرط.
طيب بقي أن يقال: هل الاعتكاف مشروع كلّ وقت، بمعنى أنّنا نقول للإنسان: اعتكف في رجب، في ربيع، في شعبان، في شوّال، في ذي الحجّة، في أيّ زمان وفي أيّ حال مكثت في المسجد؟
الجواب: هذه مسألة خلاف بين العلماء:
فمنهم من قال: إنّها مشروعة وأنّه يشرع للإنسان أن ينوي الاعتكاف في المسجد مدّة لبثه فيه، ليحصل له ثواب الاعتكاف وثواب العبادة التي جاء من أجلها إلى المسجد، فنحن مثلا الآن جئنا لصلاة المغرب، وسنبقى إلى صلاة العشاء، يسنّ لنا على رأي هؤلاء أن ننوي الاعتكاف ما بين دخولنا إلى خروجنا، عرفتم؟
لأنّ الصّوم ليس بشرط، وإذا لم يكن شرطا أي وقت تدخل انو الاعتكاف.
ومن العلماء من قال: هذا ليس بمشروع ولا نأمر النّاس به، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كانوا يأتون إلى المساجد ولم يرشد أحدًا منهم إلى أن ينو الاعتكاف بل لما ذكر تقدّم الإنسان للمسجد: ( إذا توضّأ وأسبغ الوضوء ثمّ جاء إلى المسجد لم يخط خطوة إلاّ رفع الله بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة -ثمّ قال في آخر الحديث-: ولا يزال في صلاة ما انتظر الصّلاة ) ولم يرشد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أن ينووا الاعتكاف مدّة انتظارهم الصّلاة، أعرفتم؟
مع أنّ نيّة الاعتكاف في مثل هذه الأحوال هل هي من الأمور الواردة التي يتفطّن لها الإنسان بلا تنبيه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ليست من الأمور التي تكون تابعة للصّلاة بحيث الإنسان يتفطّن لها بلا تنبيه، ولو كانت هذه الأمور المشروعيّة لكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينبّه عليها.
ولما لم ينبّه دلّ ذلك على أنّها ليست من المشروع.
طيب فإن قال قائل: أليس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقرّ عمر على النّذر الذي نذره في الجاهليّة أن يعتكف يوما أو يوما وليلة في المسجد الحرام؟
فالجواب: أنّ عمر قصد الاعتكاف يعني دخل المسجد الحرام بنيّة؟
الطالب : الاعتكاف.
الشيخ : الاعتكاف، لا بنيّة عبادة أخرى، فأنت مثلا إذا دخلت المسجد لتصلّي نقول: لا تنو الاعتكاف .
لكن رجل قال: أنا أحبّ أن أعتكف هذا اليوم في المسجد؟
اعتكف نقول: هذا من الأمور الجائزة وليس من الأمور التي تطلب من الإنسان، ولهذا لم يعتكف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ في رمضان، لم يعتكف في شوال إلاّ؟
الطالب : قضاء.
الشيخ : قضاء لما مضى، ولو كان الاعتكاف مشروعا في كلّ وقت لكان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يبيّنه للأمّة.
والحاصل أنّ لدينا ثلاثة أشياء:
اعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فهذا ها؟
الطالب : مشروع.
الشيخ : مشروع ومسنون، حتّى إنّ الإمام أحمد قال: " لا أعلم خلافا بين العلماء أنّه مسنون " هذا واحد.
الثاني: أن يتقدّم إلى المسجد بنيّة الاعتكاف فهذا جائز، ولكننا لا نطلب من النّاس، لا نقول للناس افعلوا، أنا أخبر عمّا أراه عسى أن أتجاسر وأقول إنّه من الجائز ولولا حديث عمر لقلت إنّه من الجائز، لأنّ هذه عبادة ما فعلها الرّسول إلا في رمضان طلبا لليلة القدر، أعرفتم؟
لكن حديث عمر يدلّ على جوازها حتى في غير رمضان.
الصّورة الثالثة، نحن قلنا صورة أو أحوال؟
الطالب : أحوال.
الشيخ : الحال الثالثة : أن يأتي إلى المسجد لا للاعتكاف لكن ينوي الاعتكاف لأنّه جاء ليصلّي مثلا أو ليطلب العلم فهذا ليس بمشروع قطعا، ولا ينبغي لنا أن نوجّه النّاس إلى ذلك، لماذا؟
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يرشد منتظر الصّلاة إلى هذا، وهو من الأمور التي تعزب عن الخاطر، فلا تكون للإنسان على بال إطلاقا، لو كانت من الأمور التي ينتقل الذّهن إليها بسهولة إذا جاء إلى المسجد قلنا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم سكت عن ذلك لأنّ هذا أمر معلوم أو أمر غالب أنّ النّاس من يوم يأتون ينوون هذا وهذا، فلمّا لم يكن من الأمور الغالبة ولا من الأمور التي ينتقل إليها الذّهن، ولم يرشد إليها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فإنّنا لا نطلب من الإنسان أن يفعلها، ونحن في شكّ من كونها بدعة، فلهذا لا نحبّذ الدّعوة إليها، وإن كان بعض العلماء -رحمهم الله- يرون أنّ هذا من الأمور المستحبّة، ويقول: ينبغي لمن دخل المسجد ولو ليجلس خمس دقائق أن ينوي الاعتكاف مدّة لبثه فيه.
طيب أمّا مسجد الجامع فإنّنا نقول: لا نشكّ أنّنا نقول أنّ الأفضل لمن يتخلّل اعتكافه جمعة إيش؟
أن يكون في المسجد الجامع ، أمّا إذا لم يتخلّل اعتكافَه جمعة فإنّ تفضيل الجامع على غيره لا ينبغي على سبيل الإطلاق ، بل يقال : إن كان هناك مصالح فإنه يقدّم ما كانت فيه هذه المصالح سواء كان هذا الجامع أو غير الجامع.