حدثنا محمد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ) حفظ
القارئ : حدثنا محمد بن عرعرة، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء ).
الشيخ : الله أكبر، هذا الحديث عام أن جميع الأعمال الصالحة محبوبة إلى الله عز وجل وأفضل من العمل في غيرها، وهو شامل لجميع الأعمال من صلاة وصدقة وقراءة وذكر وصيام وغيرها. وأما ما ذكرت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها ما رأت النبي صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط، فهو معارض بأن إحدى أمهات المؤمنين ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك صيامها قط، قال الإمام أحمد رحمه الله: والمثبت مقدم على النافي، ثم إن بعضهم قال إن الحديث روي على وجهين: الوجه الأول: ما رأيته صائما في الشعر قط، والوجه الثاني: ما رأيته صائما العشر قط، فعلى الوجه الأول تكون نفت أن يكون صام حتى يوم عرفة، لأنها تقول ما رأيته صائما في العشر، ومعلوم أن اللفظ بهذا المعنى شاذ، لأن يوم عرفة قد ثبت مشروعية صيامه والحث عليه.
وأما ما رأيته صائما العشرة فالمعنى ما رأيته صائما كل العشر، ولا ينافي أن يكون صام شيئا منها.
وعلى هذا فلا يكون فيه دليل على أن العشرة لا يسن صيامها، بل إن صح أن نقول فيه دليل فهو يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكمل صيام العشر.
ثم هذه قضية عين انتبهوا لها، الرسول ما صام ما ندري لماذا ؟ قد يكون ما صام، لأنه مشغول مثلا بالوفود أو بأشياء أخرى، أو ما صام العشر كله اشتغل في أول يوم بكذا أو في وسط العشر بكذا أو ما أشبه ذلك، فقضايا الأعيان لا يمكن أن تدفع بها دلالات الألفاظ الواضحة أن العمل الصالح في هذه العشر أحب إلى الله من أن يكون في أي يوم من السنة، وكلنا يعلم أن الصيام من العمل الصالح، بل هو العمل الذي اختصه الله لنفسه قال : ( الصوم لي وأنا أجزي به ).
وهذا من الآفات التي يقوم بها بعض طلبة العلم، أنهم ينظرون إلى الأحاديث دون أن يجمعوا أطرافها، ودون أن يرجعوا إلى القواعد العامة في الشريعة، وهذا نقص في الاستدلال، نقص عظيم، والإنسان إذا تكلم ليس يتكلم إلا عن شريعة، يعني يتكلم ليقول هذا شرع الله، وإذا كان كذلك فكل نص فإنه دال على شريعة، فيجب أن يكون ملما بجميع النصوص وملما بالقواعد العامة في الشريعة حتى يمكنه أن يقول هذا لكذا وهذا لكذا، وهذا الذي قلته قد كررته مرارا، وقلت أنه يجب على طالب العلم إذا أراد أن يقول هذا حكم الله أو حكم رسوله أن يكون ملما بجميع أطراف الأدلة حتى يتمكن من الحكم الموافق.