هناك بعض من الناس يذكرون الله في حلقات يصاحبها النقر على الطبلة مع القيام بحركات تشبة الرقص هل هذا جائز في نظركم يا فضيلة الشيخ ، وماهي آداب الذكر ؟ حفظ
السائل : هناك بعض من الناس يذكرون الله في حلقات يُصاحبها النقر على الطبلة مع القيام بحركات تشبه الرقص هل هذا جائز شرعاً في نظركم يا فضيلة الشيخ؟ وما هي ءاداب الذكر؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى ءاله وأصحابه أجمعين،
قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أقدّم مقدمة تلقي الضوء على جواب هذا السؤال وذلك أن الله عز وجل خلقنا لعبادته وحده لا شريك له كما قال عز وجل: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) والعبادة التي خلقنا الله من أجلها لا تصح إلا بشرطين أساسين أحدهما: الإخلاص لله عز وجل والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الإخلاص لله فمعناه أن يكون العابد قاصدا بعبادته وجه الله والدار الأخرة، لا يقصد بذلك عرضا من الدنيا لا مالا ولا جاها ولا تقرّبا إلى أحد من المخلوقين وإنما يقصد بذلك وجه الله والدار الأخرة كما قال الله تعالى عن محمد رسول الله وأصحابه قال عز وجل: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا )) وقال عز وجل: (( وَمَا ءاتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ )) .
وأما الأصل الثاني فهو المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودليل هذين الأمرين قوله تعالى: (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) وقوله: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
ولا تتحقق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان العمل موافقا للشرع في أمور ستة: السبب والجنس والقدر والكيفية والزمان والمكان فإذا لم يكن العمل موافقا للشرع في هذه الأمور الستة فإن المتابعة فيه تتخلّف.
أما السبب فلا بد أن يكون لهذا العمل سبب شرعي اقتضى أن يُفعل فلو تعبّد الإنسان لله تعالى عبادة قرنها بسبب لم يرد به الشرع لم تُقبل منه لأنها غير موافقة للشرع فلا تتحقق فيها المتابعة ومثال ذلك أن يتعبّد الإنسان لله عز وجل بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم كلما دخل بيته فإننا نقول إن هذا بدعة لأنه لم يوافق الشرع في سببه إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أسباب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دخول البيت.
ولو أن الإنسان ضحى بفرس لم تقبل أضحيته لأنها لم توافق الشرع في جنسها إذ أن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم.
ولو أن الإنسان صلى الرباعية خمسا أو الثلاثية أربعا أو الثنائية ثلاثا لم يقبل منه لأن ذلك غير موافق للشرع في عدد العبادة.
ولو أن الإنسان صلى فقدّم السجود على الركوع لم تصح صلاته لأنها غير موافقة للشرع في صفتها وهيئتها.
ولو أن الإنسان ضحى قبل صلاة العيد عيد الأضحى لم تقبل أضحيته لأنها غير موافقة للشرع في وقتها.
ولو أن الإنسان اعتكف في بيته اعتكافا يقصد به التقرّب إلى الله عز وجل كما يعتكف الناس في المساجد لم يُقبل اعتكافه لأنه غير موافق للشرع في مكان العبادة.
فإذا علمت هذه المقدمة النافعة وهي أن العبادة لا تصح إلا أن تبنى على هذين الأساسين العظيمين وهما الإخلاص لله عز وجل والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم تبيّن لك حكم هؤلاء الذين ذكرهم السائل الذين يجتمعون على ذكر الله عز وجل ويجعلون عندهم طبولا ينقرونها عند كل جملة ذكر يذكرون الله فيها أو عند كل جملة يذكرون الله بها، ويعملون أعمالا تشبه الرقص فهؤلاء مردود عليهم ذكرهم ويكون ذكرهم الذي تعبّدوا به لله على هذا الوجه بدعة وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن البدع وأخبر: ( أن كل بدعة ضلالة ) بدون استثناء وأتى بـ "كل" الدالة على العموم، ومن المعلوم لنا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بشريعة الله وأنه أنصح الخلق لعباد الله، أنه أعلم الخلق بشريعة الله وأنه أنصح الخلق لعباد الله وأنه أفصح الخلق في تعبيره وبلاغه فإذا قال: ( كل بدعة ضلالة ) فإنه لا يمكن أن نقسّم بعد ذلك البدع إلى أقسام بل نقول: إن البدع كلها ضلالة مهما كانت ومن ظن أن شيئا من البدع يكون حسنا فإنه قد توهم من أحد وجهين، إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة شرعا ولكن ظنه بدعة فسماه بدعة وإما أن يكون الشيء بدعة لكنه ليس بحسن بل توهم مبتدعه أنه أحسن في ذلك وهو لم يُحسن وأما أن تتحقق البدعة فإنه لا يمكن أن تتحقق أنها حسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل بدعة ضلالة ) .
فهؤلاء المبتدعة الذين أحدثوا في ذكر الله عز وجل ما ليس منه عملهم مردود عليهم ولا يزيدهم من الله إلا بعدا وهو خلاف طريق الذين أنعم الله عليهم والذين يقولون في كل صلواتهم: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )) فإن كل مبتدع فهو ضال فيما ابتدع في دين الله.
وعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل من هذا الذكر بل أن يتوبوا إلى الله تعالى من هذه الكيفية التي أحدثوها في ذكر الله، هذا إذا كان الذكر الذي يذكرون الله به موافقا للشرع في صيغته أما إذا كان مخالفا للشرع في صيغته فإنه يكون قُبحا على قبح كما لو جعلوا أذكارهم " هو هو هو " وما أشبه ذلك مما يتخذه الصوفية ونحوهم ذكرا لله عز وجل.
والرب سبحانه وتعالى قد بيّن لنا الطريق وأوضحه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إما في كتاب الله وإما في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) وقال سبحانه وتعالى: (( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) وقال سبحانه وتعالى: (( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) فإذا كان الله تعالى قد بيّن لنا البيان التام فإن كل عمل يقرّبنا إليه ويرضيه عنا فإنه قد بيّنه ووضحه ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والدين كامل من جميع الوجوه واتل قول الله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا )) .
وحقيقة حال المبتدع أنه يعترض على شريعة الله كأنما يقول هذه من الشريعة ولكن لم تكن ورادة فالشرع إذًا ناقص لأنه لا بد أن يكون الأمر هكذا، إما أن يكون الشرع ناقصا وهذه البدعة أكملته وإما أن يكون الشرع تاما فهذه البدعة زيادة ما أنزل الله بها من سلطان ولا يحل لنا أن نتقرب إلى الله إلا بما شرع على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
فنصيحتي لهؤلاء القوم نصيحتي لهم أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وأن يتقوا الله عز وجل في عباد الله الذين يتبعونهم ويقتدون بهم وليرجعوا إلى ما كان عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون فإنه الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والأخرة.