ما مقدار المسافة التي تقصر فيها الصلاة ؟ وما هي أسباب عدم الخشوع في الصلاة ؟ حفظ
السائل : ما مقدار المسافة التي تُقصر بها الصلاة؟ وما هي الأسباب التي تجعل المصلي لا يخشع في الصلاة؟
الشيخ : هذا السؤال من فقرتين، الفقرة الأولى: عن المسافة التي تُقصر فيها الصلاة والمسافة التي تُقصر فيها الصلاة اختلف فيها العلماء من محدثين وفقهاء وعامة أهل العلم على أنها ستة عشر فرسخا أي ما يُقارب اثنين وثمانين كيلو ومن العلماء من ذهب إلى أن السفر الذي تُقصر فيه الصلاة ليس له حد في الشرع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم أنه حدّد ذلك لأمته فتحديده توقيف أي موقوف على ورود الشرع به وإذا لم يرد الشرع به كان مرجعه إلى العرف فما تعارف الناس أنه سفر فهو سفر وما تعارف الناس على أنه ليس بسفر فليس بسفر فإن القاعدة: أن كل ما جاء به الشرع غير محدّد شرعا فإنه يُرجع فيه إلى العرف وعلى هذا قول الناظم:
" وكل ما أتى ولم يحدد بالشرع كالحرز فبالعرف احدد " .
وهذا الأخير اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعلى هذا فإذا خرج الإنسان نحو عشرين كيلو ومكث هناك مكوثا يُحمل من أجله الزاد والمزاد وتُهيؤ الراحلة فإنه يُعتبر سفرا وأما إذا خرج إلى مثل هذه المسافة ورجع عن قرب كأن يكون مدعوا لوليمة أو نحوها ثم يرجع فإن هذا ليس بمسافر وهذا هو الذي تميل إليه النفس إلا أنه يُشكل عليه أنه غير منضبط بخلاف القول الأول الذي يُحدّد المسافة بشيء معيّن فإنه يكون منضبطا وأقرب إلى فهم الناس فمن أخذ به فلا حرج عليه إن شاء الله.
وأما الفقرة الثانية في السؤال فهو: ما الذي يعين على الخشوع في الصلاة؟ أكبر معين على الخشوع في الصلاة أن يشعر الإنسان أنه إذا وقف يصلي فإنه يناجي الله عز وجل يخاطبه وأن الله سبحانه وتعالى يرد عليه هذه المناجاة كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم أنه قال: ( قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (( الحمد لله رب العالمين )) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (( الرحمان الرحيم )) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (( مالك يوم الدين )) قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: (( إياك نعبد وإياك نستعين )) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: (( اهدنا الصراط المستقيم )) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) فإذا شعر الإنسان بهذا الشعور فإنه لابد أن يستحضر ما يقوله ويفعله في صلاته لأنه بين يدي الله عز وجل الذي يعلم ما في قلبه ويعلم ما توسوس به نفسه.
ومما يعين على ذلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وءاله وسلم من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإذا أحس بالوساوس والهواجس تفل عن يساره ثلاث مرات واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم فإن ذلك يذهب بإذن الله ولكن إذا كان الإنسان في جماعة فماذا يصنع؟ كيف يتفل عن يساره ثلاث مرات؟ نقول: يكفي أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بدون تفل لئلا تؤذي من حولك.
ومما يُعين على ذلك أن يتفرغ الإنسان للصلاة بحيث لا يكون عنده شاغل يشغله كاحتباس بول أو غائط أو حضور طعام يشتهيه أو ما أشبه ذلك لقول النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: ( لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثان ) .
ومما يعين على ذلك البعد عما يكون به التشويش والإشغال بأن يبتعد عن الضوضاء وعن المتحدثين وعن الدارسين بصوت مرتفع وما أشبه ذلك.
ومن هنا ننطلق إلى مسألة هامة وهي أن بعض الناس يكون في المسجد يقرؤ القرءان وله صوت رخيم مرتفع يترنم بالقرءان وحوله من يصلون فيشوّش عليهم ويشغلهم عن صلاتهم وهذا مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وءاله وسلم حيث رأى أصحابه في المسجد يصلون ويجهرون فقال صلى الله عليه وءاله وسلم: ( لا يجهر بعضكم على بعضكم في القرءان ) أو قال: ( في القراءة ) وفي حديث ءاخر: ( لا يؤذين بعضكم بعضاً ) فجعله أذيّة وصدق رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم فإن المصلي يتأذى بمثل هذه الحال ويشوّش عليه ما يسمعه من أخيه القارئ فعلى القارئ أن يخفض صوته في مثل هذه الحال لئلا يشوّش على إخوانه فيُفسد عليهم صلاتهم.
وننطلق أيضا انطلاقة أخرى إلى ما يفعله بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية من رفع الصلاة في مكبّرات الصوت في المآذن فإن هذا يحصل به من التشويش ما قد شكى منه كثير من الناس حتى إن بعض المساجد إذا كانت قريبة وكانت الريح منصرفة إلى مسجد ءاخر أو متجهة إلى مسجد ءاخر ينشغل أهل المسجد الأخر بقراءة إمام المسجد الثاني عن استماعهم لقراءة إمامهم لاسيما إذا كانت قراءته جيدة وصوته حسنا فإن الناس ينشغلون به كثيرا حتى سمعت أن بعض الناس أمّن على قراءته الفاتحة دون إمامه ولا شك أنه يُشغل المصلين إذا سجدوا وإذا ركعوا وهم يستمعون إلى قراءته من خلال مكبّر الصوت على المأذنة.
ومن المعلوم أن هذا ليس فيه مصلحة في الحقيقة أصلا وفيه هذه الأذية والإنسان العاقل لا يفعل شيئا إلا إذا كانت مصلحته خالصة لا مفسدة فيها أو راجحة على مفسدته أما وهو لا مصلحة فيه وفيه الأذية فإن العاقل لا يفعله لاسيما وهو يبلغه أن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم نهى أصحابه أن يجهر بعضهم على بعض في القراءة.
ثم إنه أعني رفع الصوت من المئذنة بمكبّر الصوت قد يؤذي حتى جيران المسجد قد يكون جار المسجد مشتغلا بورد خاص له أو بقراءة أو بمراجعة مسألة شرعية أو غيرها من مسائل العلم النافع فيشوش عليه هذا تشويشا بالغا وقد يكون مريضا يحتاج إلى الراحة والنوم حينما صلى الفجر فإذا أخذ في النوم وسمع هذا الصوت طار عنه النوم.
وعلى كل حال فهذه المسألة أعني رفع الصوت من المئذنة بالصلاة صاحبه لا يكون غانما لأنه لا يترتب عليه شيء من المصلحة فيما نعلم بل هو إما سالم وإما ءاثم بما يحصل من أذية إخوانه.
فنصيحتي لإخواني: أن يقتصروا على الأقل على الإقامة على إقامة الصلاة في المئذنة وأن يدعوا نقل الصلاة من فوق رؤوس المآذن وأنا حينما أقول هذا لست أنكر استعمال المكبّر في الصلاة لكنني أقول: احذروا الأذية لإخوانكم أما استعمال المكبّر في الصلاة فهذا إذا دعت الحاجة إليه بدون أذيّة كما لو كان المسجد كبيرا والجماعة كثيرة فهذا لا بأس به وقد نقول: إنه مستحسن وأما إذا لم يكن له داعي فتركه أولى حتى في داخل المسجد لأن اعتياد الإنسان ألا يتلذّذ بالقرءان إلا بواسطة هذا الصوت المنقول على المكبّر فيه شيء من النظر.
لذلك ينبغي للإنسان في هذه الأمور وغيرها أن يتدبّر ويتأمل ويُقارن بين المصالح والمفاسد ويتبع ما يكون أرضى لله وأبعد عن إيذاء عباد الله ثم إنه قد شكِي إلينا شيء أقل من ذلك ضررا وهو إقامة الصلاة من على المئذنة بمكبّر الصوت فقالوا: إن أولادنا ينتظرون حتى يسمعوا الإقامة ثم يقومون ويتوضؤون ويذهبون بسرعة ربما يفوتهم شيء من الصلاة أو كل الصلاة وربما يؤدّون الوضوء من غير إسباغ، شكوا ذلك من أجل القول بمنع نقل الإقامة من على المئذنة ولكن في نفسي من هذا شيئا لأن سماع الإقامة من خارج المسجد أمر وارد في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ) وهذا يدل على أنه لا حرج من أن تُسمع الإقامة من خارج المسجد. نعم.
السائل : شكر الله لكم يا فضيلة الشيخ وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم المسلمين.