ما القول في الجمع بين حديث أبي ذر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض وفيه "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ..." وأصحاب الفرق الضالة الذين يشهدون شهادة التوحيد ويموتون عليها .؟ حفظ
السائل : بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربّ العالمين، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ : وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : فضيلة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين ما القول في الجمع بين الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي الأسود الديلي أنّ أبا ذرّ حدّثه أنّه قال: ( أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وعليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلستُ إليه، فقال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق، قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق، ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رَغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذر ).
أقول ما الجمع بين هذا الحديث وبين ما نراه وما نقرأه من أصحاب الفرق الضّالة كـالرّافضة والخوارج، وما يكون من المنافقين، حيث إنّهم يشهدون شهادة التّوحيد، ويموتون عليها، أفيدونا وفقكم الله وأثابكم؟
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين:
حديث أبي ذرّ كما سمعتم يدلّ دلالة ظاهرة على أنّ هذا القائل أي: قائلَ لا إله إلا الله مؤمن حقّا، لكن سوّلت له نفسه ففعل بعض المعاصي، بل بعض الكبائر من الزنا والسرقة وغير ذلك، وطريق أهل السّنة والجماعة أنّ الإنسان المؤمن وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنّة من العقوبة راجع إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))، فصار جميع فاعلي المعاصي وإن عظمت إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة، مآل فاعلها إلى الجنّة، لكن قد يعذّب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )).
أمّا المنافقون، وأهل البدع المكفِّرة التي تكفِّرهم بدعُهم فإنهم حقيقة لم يقولوا لا إله إلا الله بقلوبهم، لأنّ هذا الانحراف الذي أدّى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقولُ لا إله إلا الله لابدّ فيه من الإخلاص، أمّا أن يقول: لا إله إلا الله وهو يعتقد أن لا ربّ ولا إله والعياذ بالله، أو يعتقد أن مع الله إلها يدبّر الكـون، أو يعتـقد مثلا أنّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ارتدّوا كلهم بعد موته، أو يعتقد أن أبا بكر وعمر ارتدّا بعد موت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، أو ما أشبه ذلك من البدع المكفِّرة، فهؤلاء لم يخلصوا قول لا إله إلا الله، فكانت بدعهم هذه تنافي قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( من شهد أن لا إله إلاّ الله -أو من قال- لا إله إلاّ الله دخل الجنة ) نعم، واضح؟
السائل : لكن يا شيخ ما قال ... يعني كلام الرّسول ما يدلّ على أنّه أيّ واحد قال لا إله إلا الله؟
الشيخ : لا، لا، لابدّ من الإخلاص، ولهذا استَمِعْ إلى قول الله تعالى في المنافقين: (( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ))، وفي نفس السورة يقول: (( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا ))، ويقول عنهم: (( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ )) هذه شهادة بالرّسالة، (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )) أي: كاذبون في قولهم: نشهد إنّك لرسول الله، نعم.