تتمة تفسير سورة النجم من قوله تعالى (( 19- 26 )) وما يستفاد منها . حفظ
الشيخ : موضوع اللقاء في هذا اليوم هو الكلام على ما تيسر على آيات من سورة النجم انتهينا فيما سبق إلى آيات في قول الله تبارك وتعالى : (( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )) فلما بين الله سبحانه وتعالى ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه العظيمة في الآفاق قال : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى )) وهذا الاستفهام للتحقير والانحطاط أي : انحطاط رتبة هذه الأصنام التي ذكرها الله عز وجل يعني أخبروني بعد أن سمعتم من آيات الله الكبرى ما سمعتم أخبروني عن شأن هذه الأصنام ما قيمتها ما مرتبتها ما عزتها (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى )) ثلاثة أصنام مشهورة عند العرب يعبدونها من دون الله يخضعون لها كما يخضعون لله ويتقربون إليها كما يتقربون لله عز وجل ومع ذلك هم يعتقدون أنها لا تنفعهم عند الشدة إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين وعلموا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا رب العالمين لكن الشيطان سول لهم وأملى لهم في عبادة هذه الأصنام التي يدعون أنها تقربهم من الله تعالى كما قال الله عنهم : (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ولكنها في الحقيقة لا تقربهم إلى الله بل تبعدهم منه (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ )) الثالثة بالنسبة للثنتين قبلها الأخرى يعني المتأخرة وكأنها والله أعلم دون اللات والعزى في المرتبة عند العرب ثم قال تعالى منكراً على هؤلاء المشركين : (( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى )) يعني أتجعلون لكم الذكور ولله الإناث ؟ وذلك في قولهم : إن الملائكة بنات الله وهم لم يشهدوا خلق الملائكة ولم يطلعوا على ذلك كما قال الله تعالى : (( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ )) والجواب الجواب : لا لم يشهدوا خلقهم لكن مع ذلك ستكتب هذه الشهادة عليهم (( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ )) نسأل الله العافية هم إذا بشر أحدهم بالأنثى ماذا يصنع ؟ (( ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ )) ومع ذلك يجعلون لرب العالمين الذي خلق الذكر والأنثى يجعلون له البنات ويجعلون لأنفسهم البنين هل هذه القسمة قسمة عدل أو قسمة جور ؟ اسمع الجواب : (( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )) يعني تلك القسمة وهي أن يجعلوا لله البنات ولهم البنين (( قِسْمَةٌ ضِيزَى )) أي : جائرة مائلة عن الحق لأننا لو قلنا : بأنه جائز أن يكون لله ولد لكان الأولى أن يكون له البنون لأن البنين أعلى من البنات بلا شك وهو سبحانه وتعالى أعلى من المخلوقين فيجب أن يكون الأعلى للأعلى والأدنى للأدنى هذه القسمة العادلة ثم هناك قسمة أخرى دونها في العدل لكن فيها عدل أن يجعلوا لله البنات ولهم بنات ولله بنين ولهم بنين لكن ما فعلوا هذا جعلوا الأدنى للخالق والأعلى لهم ولهذا قال عز وجل : (( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )) ثم أعاد الله عز وجل إلى بيان حقيقة هذه الأصنام المعبودة فقال : (( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا )) إن هنا نافية بمعنى ما وهذا ضابط ينتفع به طالب العلم أنه إذا أتت إلا مثبتة بعد إن فإن هنا تكون تكون نافية مثل : إن هذا إلا بشر إن هذا إلا مجتهد وما أشبه ذلك فإن هنا نافية بمعنى ما ما هي إلا أسماء سميتموها يعني ما هذه الأصنام إلا مجرد أسماء لا حقيقة لها أسماء سموها إلها سموها معبودا ولكن لا حقيقة لذلك ما هي إلا مجرد أسماء وهل الاسم يدل على مسماه ؟ لا لو أنك سميت الحديد خشباً ما صار خشبا ولو سميت الخشب حديدا ما صار حديدا ولو سميت البغل حماراً لم يكن حمارا وهكذا، هذه الأصنام يسمونها آلهة هل تكون إلها ؟ أجيبوا يا جماعة لا مجرد اسم والاسم بلا مسمى لا فائدة منه ولهذا قال : (( إِنْ هِيَ )) أي : ما هذه الأصنام والمسميات (( إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ )) (( أَنْتُمْ )) المخاطبون الذين أدركوا البعثة (( وَآبَاؤُكُمْ )) يعني الأجداد السابقين مجرد اسم (( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ )) ما نافية يعني أن الله عز وجل لم ينزل بها دليلا وسمي الدليل سلطانا لأن صاحب الدليل معه سلطة يعلو بها على خصمه ومن ليس له دليل ليس له سلطان فالسلطان يأتي دائماً بمعنى الحجة أي : الدليل لأن من معه الدليل ذو سلطة على من ؟
الطالب : ...
الشيخ : يا إخوان على خصمه ذو سلطة على خصمه (( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ )) ماذا تقولون في إن ؟ (( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ )) نافية بمعنى ما بناء على الضابط الذي ذكرته لكم أنه إذا جاءت إلا مثبتة بعد إن فإن تكون نافية (( إِنْ يَتَّبِعُونَ )) أي : هؤلاء وآباؤهم (( إِلَّا الظَّنَّ ))أي : الوهم الذي لا حقيقة له لأنهم يقولون : هذه آلهة على أي شيء اعتمدوا ؟ على الوهم فالظن هنا بمعنى الوهم يعني ما يتبع هؤلاء بقولهم : إنها آلهة (( إِلَّا الظَّنَّ )) أي : الوهم الخيال الذي لا حقيقة له (( إِلَّا الظَّنَّ )) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً
الطالب : وما تهوى الأنفس
الشيخ : نعم (( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ )) يعني وما تميل إليه نفوسهم من الباطل ثم قال عز وجل : (( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى )) الجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات : القسم المحذوف واللام وقد والتعبير على هذا الوجه كثير في القرآن الكريم وهو تأكيد بثلاثة مؤكدات كما قلت لكم : القسم واللام وقد القسم تقديره والله لقد جاءهم من ربهم الهدى واللام موجودة وقد موجودة فيؤكد الله - يرحمك الله - فيؤكد الله عز وجل هنا أنه قد جاءهم من ربهم الهدى وفي قوله : (( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ )) ولم يقل : من الله إشارة إلى أنه لا يجوز تلقي الشريعة إلا من عند الله لأن الله سبحانه وتعالى هو الرب والرب هو الخالق المالك المدبر
(( الْهُدَى )) فاعل جاء والمراد به العلم المقابل بقوله : (( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ )) هم يتبعون الظن والعلم جاء من عند الله (( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى )) أي : العلم على لسان مَن ؟ على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام الذين ختموا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
(( أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى )) أم هنا منقطعة لأنها تأتي منقطعة وتأتي متصلة إذا كان هناك مقابل فهي متصلة وإذا لم يكن مقابل فهي منقطعة فإذا قلت : أعندك زيد أم عمرو فهي متصلة وإذا قلت في مثل هذه الآية : (( أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى )) فهي بمعنى بل وهمزة الاستفهام يعني بل أللإنسان ما تمنى ؟ والاستفهام هنا للإنكار والنفي أي : ليس للإنسان ما تمنى كم يتمنى الإنسان من شيء ولكن لا يحصل لأن هناك مدبراً وهو الله عز وجل فليس للإنسان ما تمنى إشارة لأي شيء ؟ إشارة إلى رد صنيع هؤلاء المشركين الذي يعبدون أصنام يقولون : إنها تقربهم إلى الله فهل لهم ذلك ؟ الجواب : ليس لهم ذلك ما تقربهم أيضا رد لقولهم : إن لله البنات ولهم البنين هل لهم ذلك ؟ لا هم وإن تمنوا هذا وصار في مخيلتهم فإنه لا يحصل ذلك لأن لله الآخرة والأولى ولهذا قال : (( فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى )) وليس للإنسان ما تمنى كثيرا ما يتمنى الآن في الحياة اليومية كثيرا ما يتمنى الإنسان شيئا ولكن لا يحصل كثيرا ما يتمنى الشيء ويسعى في أسبابه ولكن لا يحصل لأن الأمر بيد الله جل وعلا ولهذا قال : (( فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى )) وبدأ بالآخرة لأن ملك الله عز وجل في الآخرة يظهر أكثر مما في الدنيا الدنيا فيها ملوك فيها رؤساء فيها زعماء يراهم العامة أن لهم تدبيرا لكن في الآخرة لا يوجد هذا (( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )) هكذا قال الله عز وجل
(( فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى * وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )) كم تكثيرية لأنها تأتي تكثيرية يعني كثيرا ما وتأتي استفهامية فإذا قلت لك : كم مالك ؟
الطالب : استفهامية
الشيخ : استفهامية وفي قوله تعالى : (( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وهي ظالمة )) تكثيرية هنا (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ )) يعني كثير من الملائكة في السماوات لا تغني شفاعتهم وهنا يقول : (( كَمْ مِنْ مَلَكٍ )) وما أكرم الملائكة كما قال الله تعالى : (( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ )) (( فِي السَّمَاوَاتِ )) لا في الأرض والسماوات أعلى من الأرض إذا كان هؤلاء الملائكة الكرام الذين مقرهم السماوات إلا من أُذن له أن ينزل الأرض إذا كان شفاعتهم لا تنفع فهل يمكن أن تنفع شفاعة اللات والعزى ومناة ؟ الجواب : لا يعني كأن الله يقول لهؤلاء : ما أصنامكم هذه التي تستشفعون بها على الله (( كَمْ مِنْ مَلَكٍ )) وهو أشرف من هذه الأصنام (( فِي السَّمَاوَاتِ )) وهي أشرف من الأرض (( لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً )) لو شفعوا ما تغني إلا بشرطين : (( ِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ )) من الملائكة أن يشفع فيشفع (( وَيَرْضَى )) أي : يرضى عن المشفوع له يرضى عن المشفوع له وكذلك عن الشافع لأنه لا يمكن أن يأذن للشافع إلا بعد أن يرضى عنه ولا بد أن يرضى عن المشفوع له وإلا فلا تنفع الشفاعة كما قال عز وجل : (( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )) فأصنامكم هذه لن تنفعكم ولن يقبل الله شفاعتها فشروط الشفاعة الآن ثلاثة : الأول : رضا الله عن الشافع : بأن يكون أهلاً للشفاعة لكونه من المقربين إلى الله عز وجل والثاني : أن يرضى عن المشفوع له بأن يكون أهلاً لأن يشفع له أما الكافر فما تنفعهم شفاعة الشافعين الثالث : الإذن لقوله تعالى : (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ )) فلا بد من شروط ثلاثة : رضا الله عن الشافع وعن المشفوع له وإذنه في الشفاعة (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )) وهذا فيه تيئيس هؤلاء المشركين من شفاعة آلهتهم لهم
ثم قال الله عز وجل : (( إِنَّ الّذَينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ )) تكون إن شاء الله في الدرس القادم بإذن الله تعالى ولنعود الآن إلى الأسئلة ونبدأ بالضيوف أولاً ثم بالأهل ثانياً اليمين الضيوف الضيوف أنت من هنا ولا ؟