ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي ؟ حفظ
الشيخ : هذه المسألة فيها دقة من حيث عرض المشكلة التي أنت عرضتها بالنسبة لذلك ثم نفس المسألة كمسألة فقهية علمية ، هل يجوز أو لا يجوز ما فيها صعوبة... لكن لاشك أبدا أن ما يعرف اليوم بالاحتفال بالمولد النبوي أنه لا أصل له في الإسلام لاشك في هذا ولا ريب أبدا ، ولفهم هذه المسألة فهما جيدا يجب على طالب العلم أن يعرف أن الله عزوجل كما قال في قوله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )).. الشاهد (( اليوم أكملت لكم )) . الإسلام كمل بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم والعبادات التي يريد المسلم أن يتقرب بها إلى الله زلفى ختم أمرها وانتهى عددها فلا يمكن أن يزاد عليها ولا حرف واحد ، من أجل ذلك جاءت آثار عن السلف الصالح تبين أهمية هذه النعمة التي هي إكمال الإسلام وإنهاؤه فقد جاء في صحيح البخاري أن حبرا من أحبار اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم كان أميرا للمؤمنين فقال يا أمير المؤمنين : " آية في كتاب الله لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا يوم نزولها عيدا ، آية في كتاب الله يا أمير المؤمنين لو علينا نزلت نحن معشر اليهود نزلت لاتخذنا يوم نزولها عيدا " ، قال: " ما هي ؟ " قال (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) قال عمر " الله أكبر لقد نزلت هذه الآية في يوم جمعة وفي عرفة " يعني عيد على عيد يعني هو يقول لليهودي الذي خطر في باله قول واقع لأن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على عرفة بحجة الوداع ، ماذا نفهم من كلام اليهودي هذا وإصرار أمير المؤمنين له على ما قال ؟ نفهم أن هذا اليهودي يقدر هذه النعمة العظيمة التي امتن الله بها على عباده حيث أتم الإسلام ولم يبق مجالا لأي شخص مهما سما وعلا أن يزيد في الإسلام شيئا كما وقع مع اليهود والنصارى ، فأنتم تعلمون لاشك أن النصرانية وكذلك اليهودية ليس لها ثبات وليس لها قرار ، في كل سنة أو سنتين يزاد فيها وينقص ، يعني مثلا كنا نرى الراهبات وهذا معروف عندكم الحجاب كأنه حجاب إسلامي تماما ، وإذا بالبابا يصدر تشريعا جديدا بأنه لا بأس للراهبة أن تحسر وتكشف عن شيء من مقدمة رأسها لأنه هو يعتقد أنه وكيل الله في الأرض كما جاء في إنجيلهم المزعوم أن الله عزوجل قال لأحد أنبيائه في الأرض " ما تعقده في الأرض يكون معقودا في السماء " " ما تعقد ما تربطه في الأرض يكون معقودا من السماء وما تحله في الأرض يكون حلالا في السماء " يعني الذي يحرم من البابا يصبح حراما في السماء يعني حكم الله ، والذي يصير حلالا برأيه هو يصبح حلالا في السماء ، ومن هنا تغير دين النصارى وتغير دين اليهود ، الله عزوجل لما أنزل هذه الآية فهم ذاك اليهودي أن هذه نعمة كبيرة جدا ، ليس هناك مجال للزيادة والنقص (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) . ثم جاءت الأحاديث تؤكد معنى هذه الآية وكذلك الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم ، فمن الأحاديث المشهورة ولابد أنكم قرأتم شيئا منها أو سمعتموها على الأقل حديث العرباض بن سارية قال: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله أوصنا ، قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولى عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ) . الشاهد هنا ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ). وفي الحديث الآخر حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يوم الجمعة أو غير يوم الجمعة يقول: ( أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) . كذلك حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري ومسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ) . من أحدث في أمرنا هذا أي في ديننا هذا ( ما ليس منه فهو رد ) . أي مردود ، أما الآثار من الصحابة فكثيرة وكثيرة جدا من أبرزها وأوضحها وأصحها إسنادا قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم بالأمر العتيق " يعني الإسلام الذي ختم بالآية السابقة ، ومن هذه الآثار قول عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ، إذا استحضرنا هذه النصوص من كتاب الله وحديث رسول الله وآثار الصحابة الكرام ننتقل الآن إلى ناحية فكرية نظرية نقول: مهما كان المسلمون الذين جاءوا في القرون المتأخرة صالحين ومتعبدين ومتقربين إلى الله عزوجل فلن يكونوا أبدا كأصحابه عليه السلام في الرغبة في الازدياد من الطاعة والعبادة لله تعالى أبدا ، لاسيما وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال في حديث معروف أيضا في الصحيح ( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله أما إني أقوم الليل وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ). هذه نقطة مهمة جدا لطالب العلم أن يعرف ما ينطوي من تحتها ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ، أريد أن ألفت النظر هنا إن السنة إذا جاء ذكرها في مثل هذا الحديث فمعناها ليس كالمعنى الفقهي الاصطلاحي ، في الفقه في فرض وفي سنة وفي مستحب وفي مندوب ، لا يقصد هذا المعنى في إذا ما جاءت لفظة السنة في حديث الرسول عليه السلام كهذا الحديث السابق ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . إذا ما المقصود بالسنة هنا ؟ المقصود هو الطريق والمنهج الذي سار عليه الرسول عليه السلام ، فمن أعرض عنه فليس من أمته صلى الله عليه وسلم ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . لا يعني مثلا إذا لم يصل مثلا سنة الظهر أو سنة العصر لا ، ليس هذا ، وبالمناسبة أذكر في كتب فقه الأتراك المتأخرين توجد أحاديث كثيرة جدا لا أصل لها في كتب السنة ، منها مثلا حديث ( من ترك سنتي لم تنله شفاعتي ) . هذا حديث لا أصل له إطلاقا ولو صح فليس المقصود به سنة الظهر والعصر والسنة القبلية والبعدية ، وإنما المقصود بالخط الذي سار عليه الرسول عليه السلام ، فمن أعرض عن هذا الخط فقد ضل ضلالا بعيدا ، وقد جاء في حديث يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما مع أصحابه فخط على الأرض خطا مستقيما ثم قرأ قوله تعالى: (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) .. ثم قال عليه السلام ( هذا صراط الله وهذه طرق وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعوا الناس إليه ) " يعني هذا الخط المستقيم هو الشرع الإسلامي ، لكن هناك حول هذا الخط فروع خطوط قصيرة حول هذا الخط المستقيم ، هذا هو الخط المستقيم وهكذا وعلى رأس كل خط منها شيطان يقول للسائرين على الدرب المستقيم أين تذهبون هذا خط طويل لا ينتهى تعال إلى هنا انظر هذا الخط هذا يوصلك ، كذلك يضل الشيطان بني الإنسان ، لإيهامه بأن الطريق الذي يوصل إلى الله هو هذه الطرق وليس هذا الطريق المستقيم ، فيقول الرسول عليه السلام هذا هو الطريق الذي يوصل المسلم إلى الله تبارك وتعالى ، فالبدعة التي حدثت بعد الرسول عليه السلام هي من هذه الطرق ، والله عزوجل حذر المسلمين عنها فقال (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )).. لذلك والموضوع الاحتفال بالمولد النبوي ، متى حدث هذا الاحتفال ؟ حدث بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية في الحديث الصحيح المتواتر ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) . فلو كان الاحتفال بالمولد النبوي هذا لو كان الاحتفال بالمولد النبوي هذا الاحتفال لو كان خيرا لسبقونا إليه يعني هؤلاء القرون في الصحابة والتابعين وأتباعهم هم أعبد وأشد رغبة في طاعة الله وفي التقرب إلى الله وفي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن هؤلاء ما يعرفون شيئا اسمه الاحتفال بالمولد النبوي ، فإذا لا يمكن ويستحيل عقلا وشرعا أن يكون مثل هذا الاحتفال قربة يتقرب بها المسلم إلى الله وأهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ما يعرفون شيئا من ذلك ، هذا أمر مستحيل ، وكما يقول أهل العلم " لو كان خيرا لسبقونا إليه " لكن أنا أريد أقول شيئا ربما لا يتاح لكم أن تسمعوه وهو في الوقت الذي نقول لا احتفال بالمولد النبوي وأعني هذا الاحتفال ، نحن نقول هناك احتفال مشروع وهناك احتفال غير مشروع ، وهناك فرق كبير بين هذا الاحتفال المشروع وذاك الاحتفال الغير مشروع وهو الاحتفال الغير مشروع بكل سنة مرة واحدة أما الاحتفال المشروع ففي كل أسبوع ، في كل أسبوع ، من أين جئنا بهذا ؟ من حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين قال ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي الوحي فيه ) . ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي الوحي فيه ، هذا جواب كما يقول أهل العلم على أسلوب حكيم ، كان يستطيع أن يقول للسائل هذا يستحب الصوم في هذا اليوم ، لكن أعطاه الحكم وعلته ، أعطاه الحكم والعلة ، العلة يقول الرسول عليه السلام في يوم الاثنين ربي خلقني فيه وأنزل علي القرآن والوحي فيه فينبغي أن تصوموا هذا اليوم كما جاء في الحديث الآخر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن سبب صيامهم في هذا اليوم قالوا هذا يوم نجا الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنده فصمناه شكرا لله ) . اليهود صاموا يوم عاشوراء لأن الله عزوجل أنجى موسى وقومه من فرعون وجنده ، قال عليه السلام وهنا الشاهد: ( فنحن أحق بموسى منكم ) . فصامه وأمر بصيامه شكرا لله أن أنقذ الله موسى من فرعون وجنده ، فإذا نحن المسلمين شكرا لله عزوجل على أن وهبنا محمدا صلى الله عليه وسلم وأولده في يوم الاثنين وأنزل عليه النبوة والوحي في يوم الاثنين فينبغي أن نحتفل بهذا اليوم ، ليس في السنة مرة واحدة بل في كل أسبوع في الشهر أربع مرات ، نحن نعلم أن كثيرا من المسلمين اليوم يصومون الحمد لله يوم الاثنين ويوم الخميس لكن أكثرهم لا يعلمون الحكمة من صوم يوم الاثنين ، فانظر الآن كم بعد المسلمون من هدي نبيهم يحتفلون احتفالا لا أصل له في كل سنة مرة وينسون الاحتفال المشروع في كل أسبوع مرة ، إذا نحن لا نقول لا احتفال بميلاد الرسول مطلقا وإنما نقول هناك احتفالان احتفال مشروع وهو صوم يوم الاثنين واحتفال غير مشروع وهو هذا الاحتفال الذي يستغل في كثير من الأحيان سياسيا ودعائيا وإلى آخره ، الاحتفال يوم الاثنين تبقى ذكرى المحتفل به في قلب المحتفل يعني يبقى يذكر الرسول دائما ، أما الذي يحتفل بالسنة مرة ويوزعوا حلويات وسكر ونحو ذلك فهذه كما يقال كرغوة صابون أو كالزبد على وجه البحر (( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )) .. إذا عرفت هذه الحقيقة ندخل في صلب الجواب عن سؤالك ، لا نعتقد نحن جواز استغلال الحوادث المبتدعة التي لم تكن ... إذا كان للإنسان هدف لأمر ما يريد أن يصل إليه فهو لا ينظر إلى الوسيلة سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة ، مادام هذه الوسيلة تحقق تلك الغاية فهذه الوسيلة مشروعة ومباحة ، فطلبك للغاية تبرر لك ارتكاب الوسيلة وهي ولو كانت محرمة ، لكن هذا ليس من الإسلام في شيء يعني في بيت شعر في اللغة العربية يبدوا أني لا أستطيع استحضاره إلا الجملة المشهود بها وهو " ليتها لم تزني ولم تتصدقي " يمكن سمعتم من بعض المغنيات من النساء في مصر وغيرها تغني في الليلة الواحدة تأخذ كذا ألف دينار أو شابه ذلك ثم تتصدق ، فهنا قال العربي " ليتها لم تزني ولم تتصدقي " ، فزناها في سبيل أن تجني ثمار هذا الزنا وتجمع أموالا كثيرة ثم تتصدق بذلك فتبني مستشفى أو مسجد ، هذا كله لا يفيدها شيئا إطلاقا ، لأن الغاية لا تبرر الوسيلة هذه قاعدة اسلامية معروفة بخلاف الكفار ، الكفار مثلا كما ترون اليوم يقتلون الأبرياء والنساء في سبيل استحلال الأرض هذا معنى قولهم تبرر الوسيلة ، أما هذا ليس من الإسلام في شيء إطلاقا ، فإذا كنا على علم بأن هذا الاحتفال المعروف اليوم عند المسلمين هو غير مشروع فلا يجوز في اعتقادي أن نتخذ ذلك وسيلة لاصطياد واستجلاب الشباب الشارد عن الدين الذين لا يأتون المساجد ولا يحضرون درس الدين وحلقات الدين ، فلعلي أجبتك عن سؤالك وإن كان بقي شيء فذكرني به إن شاء الله . .